Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

المثلث المكي

A A
قبل نحو ألفٍ وأربعمئةٍ وخمسين سنةً شرفت بقاع مكة المكرمة الطاهرةِ بأولِ تنزلٍ للوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. في ذلك التاريخ البعيد القريبِ ترددت في جنبات حراءِ أولى كلمات القرآن العظيم: (اقرأ)، (اقرأ بسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم). حملت هذه الآيات الشريفة -منذ مطلعِ الاسلام- رسالة المعرفة.. المعرفة الشرعية المضمنةِ في قوله تعالى:(باسمِ ربك)، والمعرفة الدنيويةِ التي يوحي بها قول الخالق عز وجل: (خلق الإنسان من علق) في إشارةِ خفيةِ للعنايةِ بدقائق الخلقِ، وعجائب الصنعةِ الإلهية فيه. وما بين علمِ الدين وعلم الدنيا نبتت حضارة هذا الدين العظيم في هذه المدينة المقدسة، وكانت مكة المكرمة بكعبتها ومسجدها وحرائها مثابة لها وأمناً ..فحراء المنطق، والكعبة الوجهة، والمسجد الحرام فضاء العلم الفسيح، ومن ثم كان هذا المثلث المكي رمز العلم والمعرفة، وعنوان الوهج الحضاري الإسلامي (مكة والمسجد الحرام وحراء). إن هذه المدلولات العميقة انعكست على مكة المكرمة أداءً وبناءً ووسمتها بميسمٍ فريد لا يشاركها فيه غيرها ولا ينازعها فيه سواها، لذلك من يسكن هذه المدينة المقدسة يحمل في قلبه أقباساً من أصداءِ حراء.. وأنفاساً من عبقِ المسجد الحرام، وأطياباً من نفحات الكعبة المشرفة. وكان قديماً إذا قُدِّر لأحدهم أن يسكن مكة المكرمة بجوار البيت الحرام، عجل بإلحاق (المكي) إلى نسبهِ تشرفاً بهذه البقعةِ المباركة الشريفة، لأنه يسكن المدينة التي سكنها من قبل: سيد الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وجلة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكبراؤهم. وقد أكرم الله تعالى بلادنا الغالية المباركة -بلاد الحرمين-المملكة العربية السعودية أن تكون خادمة لهذه المدينة المقدسة وزوارها وحجاجها ومعتمريها، هذه البلاد المباركة التي تستلم اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان يحفظهما الله ريادة العالم الإسلامي، وتقود عبر علمائها وجامعاتها ومعاهدها مسيرة المعرفة الشرعية المعاصرة وتسهم بجد في سائر المعارف والعلوم. إنها مسؤولية كبيرة علينا جميعاً نحن أبناء هذه البلاد المباركة، فهل أدرك كل منا حجم هذه المسؤولية التي نحملها؟، هل أدركنا ما يقتضيه منا: لقب أبناء بلاد الحرمين من صدقٍ في الديانة وسموٍ في الأخلاق وجدٍ في خدمة الدين والمليك والوطن؟.. ذلك ما أرجوه وأتمناه.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store