Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أويس عبدالرحيم كنسارة

من تورونتو إلى جدة

A A
* أبتدئ هذا المقال/الفضفضة.. ولا أملك له أي خيوط أنسجها، ولا نقاط أرتّبها، ولا سلسلة أفكار أتّبعها.. أكتب هذه المرة، أيها الأعزاء، وأنا أبوح بصوت عالٍ.. فليس في هذا المقال، كسابقه، سوى بوح بالغربة، والأزمة، والحب والحنين.

* أقبع حالياً في قلب تورونتو الكندية، وأصدقكم القول، أنني ومنذ قدومي إلى هنا، وغربة المشاعر مع غرابتها... تجتاحني. الأجواء حارة، وغليظة، أكثر من تكساس التي حدثتكم عنها منذ أربع سنوات، والتي كانت رغم غلظتها لطيفةً بعض الشيء. أحياناً يظنني بعضهم آلِفاً لهذه الأجواء، كَوْني من جدة، وما دروْا شيئاً عن جدة. جدة.. الروفان.. التي تحتويك وترحمك، مكان مختلف، روحٌ فريدة؛ في شمسها عطفٌ ودفء. حرها يُؤْلف، وحُبها يُلهِف، والترحال لها يُشغِفْ.

* أكتب هذه الكلمات وأنا أحزم حقائبي للعودة، استجابةً للأمر السامي وتعليمات سفارة خادم الحرمين الشريفين، بعد التصريحات الكندية المشينة ضد سيادة الوطن، والشاذة عن أبجديات العرف الدولي ومبادئ العلوم السياسية. أحزم حقائبي فَرِحاً مبتهجاً، مشتاقاً لطعام أمي، وتقبيل رأسها.. هائماً في الحنين لروفان العرب، وعروسها، ووهج شموسها؛ جُدّة.

* وميزة مثل هذه الأزمات والأحداث، أنها تظهرلك -وبحق- مشهدًا رائعاً للتكاتف بين الشباب السعودي. ورغم أننا (قد) لا نبدي هذا المظهر كثيراً وقت الرخاء، إلا أننا وقت الشدة، عزوة ولُحمة وقوة. فمن جميع الأنحاء وفِي شتّى مواقع التواصل.. ترى مبتعثين من مدنٍ بريطانية، وآخرين من ولايات أمريكية.. وكثيرين من سواهما.. يعرضون تطوعهم للمساعدة في إجراءات النقل والتأشيرات والقبولات الجامعية لزملائهم من المبتعثين في كندا.

* ولا تزال وزارتا الخارجية والتعليم تعملان -وبلا شك- على مدار الساعة، من أجل تنفيذ الأمر السامي القاضي بتسهيل أمور الطلاب السعوديين بعد الأحداث الأخيرة، حيث يحمل كثير من الطلاب هم التحويل للجامعات وإكمال درجاتهم العلمية، وبعضهم شارف على المرحلة النهائية لإكمال الماجستير أو الدكتوراه أو الزمالة الطبية؛ وهؤلاء بالذات، في حاجة لمزيد النظر والتسهيلات الأكاديمية من وزارة التعليم ووكالتها للابتعاث، لكي لا يعودوا بعد جهدهم لنقطة الصفر، ولا بخفّي حنين. وكلي ثقة باهتمام معالي الوزير.

* ‏وختاماً، نحمد الله، فرُب ضارةٍ نافعة، ولا أجمل من الالتفاف حول الأهل والوطن، ولا أظلم من كربة الاغتراب، ولعلي كتبت سابقاً عن شذرات من الغربة، ولم أذكر فيها سهواً أبيات خير الدين الزركلي الشهيرة، ذات المعاني الدقيقة والعميقة، التي يقول فيها:

العين بعد فراقها الوطن..

لا ساكناً ألفت ولا سكنا

‏ريانة بالدمع أقلقها..

ألا تحس كرى ولا وسناً...

ويقول في آخرها -وقد صَدق-:

إن الغريب معذبٌ أبدا..

إن حلّ لم ينعم وإن ظعـنا!

وفق الله جميع أبناء الوطن، داخله وخارجه، وأدام الله عز المملكة وأمنها وقيادتها وقوتها، وألقاكم قريباً على خير بإذن الله، من جدة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store