Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

توسع جامعاتنا في الدراسات العليا: ضرورة استراتيجية

وتعتبر جامعة الملك عبد العزيز مثلاً يُحتذى في الاستفادة من الأساتذة بعد سن التقاعد بفتح المجال لهم للتمديد أو للتعاقد، كما تتقدم على كثير من الجامعات الأخرى في برامج البحث العلمي والبحوث المدعمة، ما يدعم توطين الدراسات العليا بوصفه اختياراً استراتيجياً.

A A
بعدما بدر من الحكومة الكندية من تدخل غير مقبول ومخالف لكل الأعراف الدبلوماسية الدولية، في الشؤون الداخلية للمملكة، وما اتخذته المملكة حياله من قرارات سيادية حازمة تعبر عن رفضها القاطع للموقف الكندي المنافي للأعراف الدولية الذي لم يُبنَ على أي معلومات أو وقائع صحيحة، أصبح لزاماً استخلاص الدروس والعبر من هذه الحادثة، التي نسأل الله أن لا تتكرر، ومن أهمها ما يتصل بمبتعثينا الذين سينقلون إلى جامعات دولية أو وطنية وفق تخصصاتهم العلمية بتوجيه من القيادة الرشيدة لوزارة التعليم بتوفير كل التسهيلات الممكنة ليكون انتقالهم سهلاً وميسوراً كما صرح به لوسائل الإعلام معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى.

وقد باشرت جامعاتنا الوطنية اتخاذ التدابير اللازمة لنقل هؤلاء المبتعثين إلى دول أخرى أو إلحاقهم ببعض برامجها الداخلية المتاحة، ومنها جامعة المؤسس التي كلف مديرها معالي أ.د.عبد الرحمن اليوبي وكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي بإكمال إجراءات نقل مبتعثي الجامعة في كندا البالغ عددهم 224 مبتعثاً، وشكل سعادة وكيل الدراسات العليا أ.د. يوسف التركي فريق عمل لهذا الغرض ومنهم منسوبو إدارة البعثات للعمل على مدار الساعة وخلال إجازة الحج لإتمام هذه المهمة العاجلة.

أقول وبالله التوفيق رُب ضارة نافعة وما حدث مدعاة لإعادة النظر في برامج الدراسات العليا المتوفرة ولله الحمد في كل الجامعات السعودية دون استثناء حكومية وخاصة. وأكاد أجزم بحكم خبرتي الطويلة في الدراسات العليا عموماً وفي جامعة الملك عبدالعزيز خصوصاً، وعملي وكيلاً للدراسات العليا والبحث العلمي، أكاد أجزم بأنه لا يوجد تخصص علمي تطبيقي أو نظري مهما كان نادراً إلَّا وله برامج في الجامعات السعودية في الوقت الحاضر ولله الحمد. ويشمل ذلك مرحلة البكالوريوس، ومرحلتي الماجستير والدكتوراه، كما يشمل التخصصات الطبية والهندسية والحاسوبية والعلمية التطبيقية عموماً، إضافة بالطبع الى التخصصات الإدارية والقانونية والإنسانية التي بلغت فيها برامج الدراسات العليا في جامعاتنا شأواً كبيراً ولله الحمد، ومضى على تأسيسها أكثر من أربعين سنة إن لم يزد، وقد حضرتُ مناقشة لأول رسالة دكتوراه في المملكة في جامعة أم القرى قبل حوالي أربعين سنة تقدم بها الدكتور شرف الشريف. وإن كانت البرامج جميعاً موجودة فما الذي ينقصنا؟ لا ينقصنا في الواقع إلا التوسع فيها من حيث زيادة التخصصات الدقيقة من جهة، وزيادة أعداد المقبولين من جهة أخرى، فمعلوم أن من يقبلون في بعض برامج الماجستير والدكتوراة لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة وقد يكون السبب في ذلك عدم كفاية الأساتذة والأساتذة المشاركين الذين يدرّسون المواد ويشرفون على الرسائل. ولحل هذه المشكلة ينبغي الحرص على الكفاءات العلمية السعودية الكبيرة وعدم التفريط بالأساتذة بمجرد بلوغهم سن الستين وإحالتهم للتقاعد وهم في أوج عطائهم وقمة نضجهم العلمي والأكاديمي، علماً بأن سن الستين بالهجري تعادل الثامنة والخمسين بالميلادي، وعلماً أيضاً بأن جامعاتنا هي الجامعات الوحيدة في العالم التي تستغني عن أساتذتها إذا بلغوا الستين، وسن الخدمة للأساتذة مفتوح في كل جامعات العالم إن كان الأستاذ قادراً على العطاء حتى بعد الثمانين. ولابد لنا من إعادة النظر في آلية التمديد والتعاقد مع الأساتذة الكبار بأن نخطب ودهم ونطلب منهم أن يستمروا في عطائهم لا أن نلزمهم بتقديم طلبات للتعاون أو التعاقد أو التمديد وقد تقبل أول لا تقبل. بينما تسافر لجان للتعاقد مع أساتذة في دول عربية وأجنبية لتطلب من أساتذة أجانب أن ينضموا الى الجامعات السعودية برواتب كبيرة وميزات مادية مغرية، وكل هؤلاء يقلِّون عن الأساتذة السعوديين المتقاعدين كفاءة وتأهيلاً، ناهيك عن ولاء السعوديين لوطنهم وأبناء وبنات وطنهم، وناهيك عن أن رواتب التعاقد معهم أقل بكثير مما يحصل عليه الأستاذ الأجنبي.

ولابد من أن تدعم كذلك عمادات البحث العلمي في الجامعات بما يتيح للأساتذة إجراء بحوث علمية رصينة في كل التخصصات تزيد من تأهيلهم العلمي، وتفيدهم في تقديم أحدث الكشوف العلمية في تدريسهم للطلاب. والتوسع في برامج الدراسات العليا يغنينا عن آلاف البعثات الى كندا وغيرها، ولا يعني ذلك أبداً الاستغناء عن الابتعاث بشكل عام في تخصصات بعينها وإلى دول بعينها مع وجود البديل الوطني عالي الجودة على الدوام.

وتعتبر جامعة الملك عبد العزيز مثلاً يُحتذى في الاستفادة من الأساتذة بعد سن التقاعد بفتح المجال لهم للتمديد أو للتعاقد، كما تتقدم على كثير من الجامعات الأخرى في برامج البحث العلمي والبحوث المدعمة، ما يدعم توطين الدراسات العليا بوصفه اختياراً استراتيجياً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store