Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

ماذا يجري في أمريكا؟

A A
التساؤل مشروعٌ، ببساطة، لأن ما يجري في أمريكا يؤثر في العالم بأسره، بشكلٍ أو بآخر.

وفي حين تبدو أوروبا منهمكةً بإصلاحات تعيد إليها دورها المفقود، يظهر بشيءٍ من التدقيق أنها مشغولة أكثر بالمماحكات بين أهلها حول كل شيء، من الاتحاد الأوروبي الذي يتفكك تدريجياً إلى مشاكل الهجرة والعنصرية، مروراً بهمومها الاقتصادية. بالمقابل، يظل التأثير الأمريكي في واقع العالم متصاعداً في كل مجال. والمفارقة أن هذا يحصل رغم كل ما يجري في أمريكا، مما قد يدخل في باب الغرائب والعجائب.

قد يكفي، مثالاً، الحديث عما جرى ويجري فيها خلال الأيام العشرة الماضية فقط. فمع نهاية الأسبوع الماضي انفجرت فضيحة الكنيسة الكاثوليكية في ولاية بنسلفانيا. حيث خرج جوش شابيرو، النائب العام للولاية، ليخبر وسائل الإعلام بنتائج تحقيقٍ أجرته النيابة العامة وجدت على إثره تورط أكثر من ٣٠٠ قسيس في جهاز الكنيسة في الولاية في أعمال اعتداءات جنسية ضد أكثر من ١٠٠٠ طفل، تبلغ أعمار بعضهم ٧ سنوات، وعلى مدى العقود السبعة الماضية.

في اليوم التالي، هزّت البلاد حادثةٌ قَتَل فيها أمريكيٌ أبيض، ممن يبدون نموذجاً لتجسيد الحلم الأمريكي، زوجته الحامل وطفلتيه البالغتين من العمر ٣ و٤ سنوات. ادّعى الرجل قبلها بيومين أن عائلته اختفت، ليعود ويعترف بعد ذلك بأنه الذي قتل أفرادها، وسط ذهول المحللين من ساحة الإعلام إلى أوساط علم النفس.

قبل ذلك وخلاله وبعده، لاتزال أمريكا مهووسةً بقصة أوماروسا نيومن. كانت المذكورة أعلى أمريكية أفريقية منصباً في إدارة ترامب إلى ماقبل شهور، وتبيَّن أنها كانت طوال عملها في البيت الأبيض تسجّلُ مايجري حولها بالصوت، وأحياناً بالصوت والصورة. ثم إنها نشرت بعد طردها من هناك كتاباً يتحدث عن تجربتها، تروي فيه ماحصل وتدعمه بتسجيلاتها السرّية. لتمتلئ إثر ذلك أجواء الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بأخبارها، وأخبار الملاسنات التي تَلت نشر الكتاب والتسجيلات بينها وبين الرئيس الأمريكي وبعض أركان إدارته.

وسط هذه الأحداث، ويوم الخميس الفائت، قام ١٣ مسؤولاً أمنياً رفيعاً سابقاً، منهم كل رؤساء وكالة الاستخبارات الأمريكية السابقين، جمهوريين وديمقراطيين، بتوجيه رسالة لوم شديدة اللهجة إلى الرئيس الأمريكي بسبب إلغائه التصريح الأمني عالي المستوى الذي كان لدى رئيس الوكالة السابق جون برينان، وهو من أشد منتقدي سياسات الرئيس اليوم. أما التصريح فيبقى، عادةً، ساري المفعول لكبار المسؤولين الأمنيين بعد مغادرة منصبهم ليكونوا معاً بمثابة مجلس استشاري غير رسمي للإدارة الأمريكية، يمكن لها أن تعود إليه في أوقات الأزمات. ويشتعل الجدل الآن في البلاد حول صلاحيات منصب الرئاسة، وإمكانيات التلاعب بها، وما يمكن أن يحصل من تأثيرٍ في منظومة وتقاليد السياسة الأمريكية بسبب ذلك.

وبالحديث عن السياسة، تنشغل أمريكا أيضاً بملامح الانتخابات النصفية القادمة: أول وأصغر فتاة من أصل أمريكي هندي تنافس بقوة على مقعد في الكونغرس. أول متحولة جنسياً (كانت رجلاً وأجرت عملية تحول إلى امرأة منذ ٣ سنوات) تنافس بقوة على منصب حاكم ولاية فيرمونت. إلى غير ذلك من الظواهر الجديدة التي يتوقع المراقبون معها تغييراً في موازين القوى بين الديمقراطيين والجمهوريين، لصالح الحزب الديمقراطي، في الكونغرس وفي مناصب حكام الولايات وغيرها من المناصب المحلية والفيدرالية.

هذا، الذي يجري في أمريكا، يطرح إشارات استفهام كبرى تفرض نفسها عالمياً على أهل السياسة والاجتماع وعلماء الحقلين من الباحثين والأكاديميين، إن لجهة نظريات السياسة والحكم بشكل عام، أو فيما يتعلق بمستقبل الديمقراطية كنظامٍ سياسي ينبثق من مفاهيم التعددية والليبرالية الاقتصادية والسياسية. خاصةً حين تفرض الظاهرةُ نفسها في أمريكا التي تُعتبر قمة التجربة البشرية في ذلك المجال.

أما في عالمنا العربي، فإن تأثير الأزمة على المستوى الثقافي والفكري سيكون متناسباً مع الانقسام الحاصل في الواقع العربي على مستوى فهم المنظومة الأمريكية والتعاطي معها.

فمن جهة، سيزداد التحدي أمام المثقفين الذين كانوا يُرجحون غلبة المنظومة الأمريكية والقيم المنبثقة منها. وسيكون حجم الجهد الفكري والثقافي المطلوب منهم لتحرير القول في المسألة كبيراً. وبالطبع، سيتهرب الغارقون في المصالح النفعية والرؤية الأيديولوجية من الموضوع بأسره.

ومن جهة أخرى، ستتسع دوائر الوهم الكاذب لدى الحالمين بانهيار المنظومة الأمريكية عند سماعهم بالأزمة المذكورة. وسيرون فيها مجرد شاهد إضافي على أحكامهم القطعية القديمة القائلة بقرب زوال أمريكا. وستتسع مع هذه النظرة دوائر التواكل والاستقالة والكسل والانتظار. وبهذا تبقى أمريكا، حتى في أزماتها، مصدراً لأسئلةٍ لايبدو أن أحداً في بلاد العرب يهتم بالبحث لها عن إجابات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store