Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

(الدينية والمدنية) ومذبذبو العرب

حري بتلك الحكومات العربية (المذبذَبة) إنْ هي أرادت التمكين والقبول -داخليًّا وخارجيًّا- أن تستمسك بإسلامها المعتدل (النقي الصحيح) مع الأخذ (الجاد) بالأسباب الحقيقية للمدنية -والمملكة خير مثال على هذا التوازن- وبذا تمضي تلك الحكومات محلقةً بجناحي الإسلام النقي والمدنية الحديثة في تناغمٍ فريدٍ مخرجاتُهُ أمنٌ وارفٌ وعيشٌ رغيدٌ ورقيٌّ وازدهارٌ وريادةٌ

A A
لا يجد المراقبون لحكومة الملالي الإيرانية مشجبًا يُعلقون عليه تَغَوُّلَها داخل بعض البلدان العربية إلا كونها دولةً ثيوقراطيةً (دِينية)، حيث تشكلت على أسس ومبادئ عقدية، نتج عنها قيام الثورة الخمينية (١٩٧٩م) وسيطرتها على مقاليد السُّلطة في إيران عَبْر جسر المعتقد الديني الذي مكَّنها في البدء من الإمساك بزمام السلطة، ومكنها لاحقًا من التغول داخل بعض البلدان العربية والإسلامية من خلال الأحزاب والمنظمات والجماعات الموالية لها التي مكنتها من السيطرة على أنظمة تلك البلدان. ما يجب ألا يغيب عن بالنا أيضًا هو أن الكيان الصهيوني قام هو الآخر في ظل عقيدة دينية راسخة ربما تَفُوق نظيرتها لدى ملالي إيران وذلك تحت حجج دينية كإعادة الهيكل المزعوم وقيام معركة هرمجدون، وما دولة الفاتيكان كذلك عنا ببعيد، بل إن أمريكا -وهي نموذج الدولة (المدنية) ظاهريًّا- نجدها الراعيَ الرسمي لحكومة الكيان الصهيوني (الدينية)، بل يؤكد الدكتور باسم الطويسي في الغد الأردنية «أن التدين اليميني يزدهر -يقصد في أمريكا- وبات يتسلل إلى عالم السياسة بقوة، ليس بفعل القواعد الشعبية وحدها بل بفعل الدعم الهائل الذي تقدمه الصهيونية العالمية وما تملكه من أدوات ضغط وتأثير». نعلم جميعًا أن الشعار الذي ترفعه أمريكا والغرب هو شعار (الدولة المدنية) الذي يكفل الحريات والحقوق للجميع، ويتجاهل هؤلاء أن الإسلام -في صورته الصحيحة النقية- سبق لتلك الحريات والحقوق ولكل خير ونفع للبشرية، ولا يضيره تشويه بعض أدعيائه وأعدائه له. حكومة الملالي الإيرانية حينما تدثرت بعباءة الدِّين فلكونها عرفت الوسيلة الفاعلة التي تمكِّنها من تحقيق أهدافها وبسط نفوذها، وهي بهذا تعمل وفق مشروع له ضوابطه وأهدافه، وبالمثل نجد أن للكيان الصهيوني مشروعَه المرتكزَ على أسس دينية، وله ضوابطه وأهدافه، والعجيب في الأمر أنه في الوقت الذي نجد حكومة الملالي تستمسك بمنطلقاتها الدينية ولا تجد حرجًا في ذلك، ونجد الكيان الصهيوني وفيًّا لمنطلقاته الدينية -التي من معالمها الظاهرة مؤخرًا التمسك بالقدس عاصمة أبدية له برعاية أمريكية ومن منطلقات دينية أيضًا- نجد حكومات بعض الدول العربية بدأت تتخلى عن بعض أحكام الشريعة الإسلامية وتنابذها.

الأمر الذي ينبغي ألا يغيب عن بالنا هو أن هيمنة الدول تتولد رَغَبًا عن طريق استمالة المستهدَف من منطلقات دينية، أو رَهَبًا بقوة السلاح وحجم التقدم العلمي والحضاري، ولذا رأينا كيف استمسكت حكومة الملالي بالمسار الأول، ولعب الكيان الصهيوني على كلا المسارين، وبرع الغرب في المسار الثاني، في حين زهد العرب في المسارين كليهما!.

مشكلة بعض الحكومات العربية أنها لا ترى أمامها إلا خيارين: الأول وهو أن تتحول إلى دولة دينية -من منظور الغرب- لكنها تخشى من تَبِعات المسمى، ولذا رأينا كيف بدأ بعضها ينسلخ مما تبقى من أحكام الإسلام وهي المنسلخة من أكثرها، والآخر هو أن تسلك مسلك الغرب في الأخذ بأسباب المدنية والتقدم العلمي والحضاري ولكنها -للأسف- غير جادة فيه وتخاتل شعوبها. لذا حري بتلك الحكومات العربية (المذبذَبة) إنْ هي أرادت التمكين والقبول -داخليًّا وخارجيًّا- أن تستمسك بإسلامها المعتدل (النقي الصحيح) مع الأخذ (الجاد) بالأسباب الحقيقية للمدنية -والمملكة خير مثال على هذا التوازن- وبذا تمضي تلك الحكومات محلقةً بجناحي الإسلام النقي والمدنية الحديثة في تناغمٍ فريدٍ مخرجاتُهُ أمنٌ وارفٌ وعيشٌ رغيدٌ ورقيٌّ وازدهارٌ وريادةٌ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store