Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

أمريكا وأوروبا تسعيان لإنقاذ نظامهما

الأدلة على تمزق يحدث في النظام الليبرالي العالمي، من الداخل والخارج، متعددة، بينما المؤشرات على نمو قوة التنين الصيني واضحة ومتزايدة.. ويبقى على العقول والسواعد الغربية، أن تجد حلولاً تحافظ بها على مكتسباتها السابقة. إن كان لإمبراطوريتها الاستمرار

A A
اعتقد الأمريكيون والأوربيون أن مرحلة التنافس العالمي بين قوى كبرى قد انتهت بسقوط الاتحاد السوفيتي، وأن النظام الليبرالي العالمي الذي أنشأوه بعد الحرب العالمية الثانية، وتبنى شعار الديمقراطية كأساس للأنظمة المقبول التعامل معها، قد آتى ثماره. وأخذوا يُفكِّرون كيف يمكن التعامل مع تطورات جديدة تختلف عن التحديات السابقة بعد أن تمكَّن (نظامهم) من الانتصار. إلا أن السنوات التي تلت سقوط الاتحاد السوفيتي حملت معها تطورات مقلقة بالنسبة لصنّاع نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية. حيث ظهر مارد آسيوي يزداد قوة ومرونة في تعامله مع العالم يوماً بعد يوم، وبرزت روسيا الاتحادية كقوة لا يُستهان بها وطموح وذكاء في التعامل على الساحة الدولية بما فيها الشرق الأوسط.

وخلال السنوات الماضية نشط مُفكِّرون ومسؤولون حكوميون في البحث، بشكلٍ غير رسمي، عن مخارج يتم عبرها إحلال نظام عالمي جديد بأدواته الحالية (صندوق النقد الدولي، الأمم المتحدة، منظمة التجارة العالمية وما شابه)، أو عبر ابتكار أدوات جديدة أو معدلة أو إضافية. آخذين بالاعتبار أنه بينما كانت المخاطر على النظام العالمي تأتي في السابق من خارج الدول (الديمقراطية)، إلا أنها أصبحت تأتي من داخل هذه الدول أيضاً. وفي شهر يونيو الماضى عُقد بأمريكا ما سُمِّي بـ»قمة الديمقراطية»، برعاية اتحاد أنشأه أندرياس فوج راسموسن، رئيس وزراء الدانمارك سابقاً وأمين عام سابق لحلف الناتو، وبرعاية ثلاث عشرة شخصية أوربية وأمريكية من ضمنها جو بيدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق. كما أطلق «المجلس الأطلنطي» مبادرة في أواخر شهر يونيو أيضاً في برلين تحت مسمى «النظام الديمقراطي»، بدعم ورعاية مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي للرئيس جورج بوش، وكارل بيلد، رئيس وزراء ووزير خارجية سابق للسويد، ويوركو كواجوتشي، وزير خارجية اليابان السابق.

وسائل الإعلام (الليبرالية) الأمريكية والأوربية فتحت صفحاتها لتحليلات وأخبار تدور حول محتوى النظام الجديد الذي على أوربا وأمريكا تبنِّيه، وتقول مجلة «الإيكونوميست» البريطانية: إن عدداً من المُفكِّرين رغبوا في أن يلتقي أشخاص ذوو نفوذ تتشابه أفكارهم، بشكلٍ متواصل، للخروج بمقترحات جديدة. وأنه خلال الأربع السنوات الماضية كان مسؤولون كبار من الدول الديمقراطية الرئيسية يلتقون بصمتٍ وهدوء مرة أو مرتين في السنة، لمناقشة إستراتيجيات لدعم ودفع النظام العالمي الليبرالي. هؤلاء من مخططي السياسات في وزارات الخارجية وخبراء من مراكز أبحاث يناقشون قضايا مثل: كيفية مواجهة روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، ويلتقون بشكلٍ سري حتى لا يُقال إنهم يتآمرون. وأطلقوا على أنفسهم مُسمَّى (D10) نسبةً إلى دولهم، أي الديمقراطيات العشر، وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوربي.

وتثير الصين الكثير من القلق لدى أوربا وأمريكا، وتسببت استثماراتهم الكبيرة في مبادرة الحزام والطريق، بقيام الكونجرس الأمريكي بإعداد قانون جديد يتيح للحكومة الأمريكية الاستثمار بمبالغٍ كبيرة في مشاريع إنشائية بمختلف أنحاء العالم، ويتوقع إقراره قريباً، بينما نجحت الصين في إقامة تجمع أوربي من ست عشرة دولة في كيان أُطلق عليه (16+1) من دول وسط وشرق أوربا بالإضافة للصين، وتجمع آخر باسم «منظمة شنغهاي للتعاون»، يعتبر أكبر تجمع إقليمي بعدد السكان في العالم (كازاخستان، الهند، الصين، قيرغستان، باكستان، روسيا، طاجكستان، أوزبكستان).

الأدلة على تمزق يحدث في النظام الليبرالي العالمي، من الداخل والخارج، متعددة، بينما المؤشرات على نمو قوة التنين الصيني واضحة ومتزايدة.. ويبقى على العقول والسواعد الغربية، أن تجد حلولاً تحافظ بها على مكتسباتها السابقة. إن كان لإمبراطوريتها الاستمرار.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store