Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

شرق غرب.. لعنة فوكوياما

بمعنى آخر، عليه أن يقبل بقدره، أي أن كل شيء استقر على انتصار النموذج الأمريكي.. توقفت كل الصراعات على رسم محدد هو التقدم الأبدي للغرب، والتخلف الأبدي للشرق.. أي نهاية عصر الحلم الشرقي في إدراك التقدم الغربي أيام الحرب الباردة التي وفرت طريقًا، ولو ضيقًا، للخروج من دائرة التخلف.

A A
يبدو السؤال صعبًا، وتحققه مستحيلاً.. فالقوي لا يفكر في الضعيف إلا للمزيد من الامتصاص والاستغلال.. والضعيف لا يفكر في القوي إلا وفق الحاجة له للاستمرار في عالم لا يؤمن بالضعيف.. من هنا يبدو طرح المقايسة قوي/ ضعيف غير ذي جدوى في ظل علاقات غير متساوية وهالكة للضعيف، بل وغير معترفة به. فلا حل آخر إلا الطرح الحضاري الذي يتخطى الديني والسياسي والاجتماعي، ومنطق المقايسة ليضع المسألة في أفق الإسهام الإنساني الذي ليس مرتبطًا بالضرورة بالقوي..

أثينا كانت مهزومة ومنكسرة ولكنها أثرت تأثيرًا بالغًا في الإمبراطورية الرومانية المبنية أصلاً على القوة.. طبعاً، يضعنا هذا المفهوم، أمام غرب متقدم، يملك سبل النمو والتطور، منتج للمعرفة والتحديث.. سباق في كل شيء.. يملك من التقدم ما يجعله مصدر إعجاب بالنسبة للشرق، ويفرض ثقافته عليه بالشكل الذي يريده، بل وصل الأمر بالغرب المنتج إلى درجة تحديد المفاهيم الحياتية للشرق، هو من يحدد محتوى الجيد والسيىء، المفيد من غير المفيد، الصالح من الطالح وهكذا؟ وهذا ليس ناتجًا عن فهم عميق للآخر ولكن عن أساس براغماتي توجيهي، وفرض النموذج من موقع القوة في النهاية، مع أن لهذا الشرق المنكسر اليوم، تاريخاً حياً وعظيماً، وإسهاماً كبيراً في الحضارة الإنسانية، وبالمقابل، هناك معاناة بعدم الاعتراف.. المشكلة أن المسافات الفاصلة بين العالمين والهوة تزداد اتساعًا، الأمر الذي يضع الشرق أمام سلسلة من الإحراجات الصعبة والقاسية، منها نهاية التاريخ بتوصيفات شديدة اليأس، كما حددها الباحث الأمريكي فوكوياما، إذ علينا، وفق هذا المنطق، القبول بنهاية الشرق على الوضع البائس الذي هو عليه اليوم.

بمعنى آخر، عليه أن يقبل بقدره، أي أن كل شيء استقر على انتصار النموذج الأمريكي.. توقفت كل الصراعات على رسم محدد هو التقدم الأبدي للغرب، والتخلف الأبدي للشرق.. أي نهاية عصر الحلم الشرقي في إدراك التقدم الغربي أيام الحرب الباردة التي وفرت طريقًا، ولو ضيقًا، للخروج من دائرة التخلف.

نظرية فوكوياما قد تستقيم في هذه الحالة ظاهريًا، أي أن التطور البشري وصل إلى سقف مخياله ونماذجه، أي الموديل الغربي، الأمريكي على وجه التحديد، بطبيعة الحال أن ذلك لا يخلو من إيديولوجية تبرر النموذج المهيمن ثقافيًا واقتصاديًا وعسكريًا، العادل في بلاده لأن سلطة القانون فوق كل شيء، والمبني علي الغطرسة في الخارج، والشرق تحديدًا (مسألة الشرق الأوسط) فوكوياما نسي أو تناسى، تناقضات الغرب نفسه، لأنه ليس وحدة متجانسة.. خلافاته كبيرة ومصالحه متضاربة.. مصالح أمريكا ليست بالضرورة هي مصالح أوروبا، أو العالم الآسيوي، كوريا والصين. الواقع اليوم يبين لنا ما لم يكن ظاهرًا.

الحرب الاقتصادية والتجارية التي تمارسها أمريكا على العالم وأوروبا تبين بأن استقرار القطب الواحد المنتصر، أي الغرب، لم تعد فرصة للسلام، بل تضع الاعتداءات والحروب في المقدمة. عالم آخر يرتسم الآن بصعوبة لأنه ليس محكومًا إلا بالمصلحة الجزئية.. أمريكا مكتفية بذاتها.. أمريكا اللاتينية تبحث عن طريقها، المكسيك على وجه الخصوص داخل صراع دائم وحيطان فاصلة تنجز لدرء الهجرة غير القانونية، وفنزويلا التي تتعرض لتدمير داخلي منظم، وترحيل غير مسبوق بسبب الوضع الاجتماعي الصعب والاقتصادي للمواطنين، بسبب الحصار الأمريكي، مع أن فنزويلا من أغنى الدول النفطية.. أوروبا انفجرت داخليًا بعد أن فقدت جزءًا منها، بريطانيا، التي عادت بشكل معلن إلى الحاضنة الأمريكية.. الصين التي تشكل مسارًا مختلفًا يلتقي مع روسيا وتركيا وإيران، في أفق تحالفٍ شرقي دفاعي. ثم العالم العربي أو الشرق الآخر المهزوم كليًا والضعيف بنيوياً، الذي حكم عليه بأن يصبح سوقًا عالمية تستهلك ما تنتجه أوروبا وأمريكا وسوقًا للأسلحة التي تمزق هذا العالم من داخله في شكل حروب أهلية أو بينية. فتوقفت تقريبًا كل مشاريعه التنموية التي شكلت، قبل سنوات قليلة، هدفًا مهما وتحققت بفضلها طفرة مالية سمحت لهذا الشرق العربي بأن يقاوم كل الهزات التي خلفتها الأزمات الاقتصادية العالمية.. المنظر الدرامي للعالم العربي اليوم، يثير الشفقة.. عالم بلا أفق، وبوابة لشرق لم يعد سيد نفسه.. محكوم بالوضع العالمي، مستقبل شديد الغموض إذا لم تحدث هزة عالمية تغير الأوضاع والموازين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store