Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

فطرة الاستجابة للتحفيز

واستنادًا على حاجةِ الإنسان الفطرية للثناء والتقدير والاحترام، والتي تكون في كثيرٍ من الأحيان أشدّ من حاجته للطعام والشراب، فقد تنبـّهت المُجتمعات المتقدمةُ حضاريًا إلى استجابة فطرة الإنسان لقاعدة الثواب بشكلٍ خاص..

A A
يستجيبُ الإنسان بطبيعته إلى التحفيز بأنواعه، فهو المحرّك الأساس لأعمال وسلوكياتٍ يهدف منها إلى نيل الجوائز والمكافآت والفضائل والمَكانة، واكتساب أنواع التقدير المعنوي والمادي، فالاستجابة للتحفيز فطرةٌ أصيلةٌ فَطرهُ الله سبحانه وتعالـى عليها، وغريزة إنسانية تضمنُ بقاء نوعه واستمرارَ الحياة، ولها ارتباط بحبّ التميّز والظهور والاستحواذ.

ومن رحمةِ الله على الإنسان، وهو العالِمُ بضعفه، أن بيـّن له جزاء الأعمالِ الصالحة، من صلاةٍ، وصومٍ، وصدقةٍ، وقراءةِ قرآن، وأثبتَ الأجر على النية الحَسنة، وزيّن الفضائل للناس، وأغراهم بالحسنات وغُفران الزلاّت. فعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قَرأَ حَرْفًا مِن كِتَابِ الله فلَهُ بِه حَسَنةٌ، والحَسنةُ بعشْر أَمثالِها، لا أقُول: (الم) حَرف، وَلكن: ألفٌ حرف ولامٌ حَرف ومِيمٌ حَرف». فالله سبحانه يعلمُ افتقار عباده إلى ما يشحذ عزائمهم، ويُعلي هِـممَهم، ليسارعوا في الخيرات، ويتسابقوا إلـى الجنّات، فحفّزهم على الاجتهاد، وأسهبَ في وصف الجنان وما للمؤمنين فيها من ملذّات لا تخطرُ على قلب بشر، لا تكتمل إلا برضوان الله عليهم.

واستنادًا على حاجةِ الإنسان الفطرية للثناء والتقدير والاحترام، والتي تكون في كثيرٍ من الأحيان أشدّ من حاجته للطعام والشراب، فقد تنبـّهت المُجتمعات المتقدمةُ حضاريًا إلى استجابة فطرة الإنسان لقاعدة الثواب بشكلٍ خاص، وأهـمية التشجيع والتقدير وإغراء الإمكانات البشرية الكامنة، فاستغلّت حبَّ الإنسان للتكريم والامتنان، وشغفَه بالتقدير، لدفعه إلـى حُسْن الأداء وإتقان العمل، فأقرّت الحوافز الوظيفية، وعجّلت بإعطائه مُستحقاته المالية دون مُماطلة، ورصَدت المُكافآت والعلاوات للمتميّزين، وكرّمت العُلماء والباحثين والمُفكّرين والمُبدعين في شتـّى المجالات، واحتكمتْ إلى التقييم على أساسٍ واضحٍ ومدروس، لا يدَع مجالا لغلبة المُحاباة والتسلّط أو المِزاجية الشّخصية، كما شرَعتْ باب التنافس الشّريف بين أفرادها ومؤسساتها، وأرستْ دعائم بيئةٍ اجتماعية تُتيح الفُرص المُتكافئة للمجتهدين، وحاصرتْ احتمالات الفساد، عن طريق رفع وعي الجمهور والمحاسبة المؤسساتية وقنوات الإعلام، وكفَلت أنظمةَ تغيير المناصب القيادية ومحاسبة الموظّف والمسؤول بشكلٍ دوري، فارتقت شعوبها في سُلّم الحضارة الإنسانية، وتعدّدت إنجازاتـها الفكرية، واختراعاتها العصرية، ومنتجاتها التقنية، وسبقتْ بأشواطٍ غيرها من المجتمعات التي يغلب عليها الفوضى السلوكيّة، والتخلّف الفكري والفساد الإداري.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store