يُقصَد بالعِصامي: «الرجل الذي بنى نفسه بنفسه من الصفر، أي بكدِّه وجهدِه وكفاحه، دون الاعتماد على أي شيء آخر من نسبٍ أو مالٍ أو شرفٍ أو غيره»، ويُطلق المصطلح على بعض الأشخاص الذين أثبتوا ذواتهم، وتحدّوْا كثيراً من المصاعب، وبنوْا ثروة شخصيةً أو توسّدوا مكانةً اجتماعية سامية، بمثابرتهم ومواهبهم الفردية.
يجب أن لا نبخس أثر الموهبة والذكاء والفطنة والعزيمة والمثابرة، في توسّد الإنسان مَراتب رفيعة وحصوله على مكانةٍ اجتماعية أو علمية أو أدبية مُتقدّمة، أو تكوينه لثروات مادية كبيرة، لكني أشكُّ كثيراً في حقيقة «العِصامية» كما يتمّ فِهمها، وأنه يُمكن حقاً لأحدهم «أن يبني نفسه بنفسه»!! فهذا التعبير قد يوحي بنوعٍ من الاستقلالية التامة، والاعتماد الخالص على النفس، والاستغناء عن دعم ظروف مُناسبة وأحداث مُساندة وأشخاص مؤيّدين، وأوقات مُلائمة، وهذا غير منطقي، وفيه خداعٌ غير مقصود، إذ من غير المعقول أن يصل أيّ إنسان إلى أهدافه العُليا مهما رُزق من المواهب والصّفات الإبداعية، من دون مساعدة أشخاصٍ آخرين، وفرصٍ سانحة، ودعم صِيت أسرةٍ عريقةٍ أو جاهِ قبيلةٍ رفيعةٍ أو مالٍ وفير أو واسطةٍ متميّزة،
فالنجاح الحقيقي لا يخرج بالضرورة من رحِم المُعاناة، ولا يبدأُ من الصفر !! بل هو ثـمَرةُ موهبة شخصية لها رصيدٌ مُعتبـَر من المُثابرة والالتزام، مضافٌ إليها ظروفٌ اجتماعية مُواتية، فتتطور الموهبة مع الدّعم المناسب إلـى إنتاج مُتميـّز، لايكتملُ عقده إلا ببيئة خصبةٍ تثبّت جذوره وتنمّي فروعه، وباختصار: وجود الشخص المناسب، في الوقت والمكان المناسبين.
يقول أستاذ علم الاجتماع الدكتور علي الوردي رحمه الله: «إن الفِكر المُبدع، أو أي عبقري آخر، لا يستطيعُ أن يصنعَ نفسه، إنما هو صنيعةُ الظروف المُحيطة به» .. ويقول: «إنّ مواهبَ الإنسان وحدها لا تكفي لرفع مكانته أو إشهارِه، ولا بد أن تأتي ظروفٌ تساعد تلك المواهب على الظهور، ويجب أن لا ننسى أيضاً ما للمُصادفات من دوْرٍ بالغ في هذا الـمجال» .. كما يقول: «كلُّ المُخترعات المُدهشة التي نشهدها اليوم، ليست في الواقع سوى تأليف أو تركيب بين مُخترعات كانت موجودة سابقاً، مع إضافة شيءٍ قليل إليها».
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
