Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

ذاكرة مستوردة لانكسار عربي !!

حمل الاعتماد على فن الرواية -الفن الغربي البحت- للتعبير عن هذا الصراع وما واكبه من ثوراتٍ ومعارك، مفارقة لا تخلو من دلالة؛ أن تُعبِّر عن نكسات كان عدوّك الأول فيها هو الغرب، معتمداً على فن غربي الأصل، أمر له رمزية في سياق دلالة الانكسار التي تُمثِّلها الرواية؛ يُشبه ذلك كثيراً بيان اعترافٍ كامل بالهزيمة، وربما بيان استسلام لها أيضاً

A A
يؤمن كثير من الباحثين أن فن الرواية فن غربي النشأة، وأن كُتَّاب الرواية العربية اتكأوا على الرواية الغربية اتكاءً مباشراً في كتابتهم لأعمالهم الروائية. وكما هو معروف، فالعلاقة بالغرب لم تكن أبداً علاقة ود واتفاق، بل كانت علاقة صراع دائم؛ طمع غربي، وكُره وضغينة عربية.

من هنا حمل الاعتماد على فن الرواية -الفن الغربي البحت- للتعبير عن هذا الصراع وما واكبه من ثوراتٍ ومعارك، مفارقة لا تخلو من دلالة؛ أن تُعبِّر عن نكسات كان عدوّك الأول فيها هو الغرب، معتمداً على فن غربي الأصل، أمر له رمزية في سياق دلالة الانكسار التي تُمثِّلها الرواية؛ يُشبه ذلك كثيراً بيان اعترافٍ كامل بالهزيمة، وربما بيان استسلام لها أيضاً.

جاء الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في فلسطين عام 1948م، تتويجاً وإيذاناً ببدء مرحلة جديدة في الصراع العربي الغربي. وفي الفترة بين وعد بلفور ونكبة 48 يبرز اسم توفيق الحكيم كأحد أهم الأعلام التي ظهر أثر الهزيمة جلياً في أعمالها، وذلك من خلال روايتيْ (عودة الروح 1933م، وعصفور من الشرق 1938م)، حيث يذهب في (عودة الروح) إلى أن «الشعب المصري الآن ليس غير الشعب الفرعوني القديم»، وهو بذلك يبتعد عن فكرة الوحدة العربية، لأنها -في نظره- ليست الدافع الحقيقي لثورة الشعب المصري. لذلك يذهب الحكيم في (عصفور من الشرق) إلى «نفي وجود عالم عربي قائم بذاته، محافظ على كيانه، يستطيع أن يقوم بالمواجهة المحتومة بين الكتلتين الشرقية والغربية». ونجد صوراً أخرى لانكفاء الذاكرة الروائية، تتلخَّص بعضها في سيطرة العنصر الغربي على الرواية العربية كما هو ملاحظ عند شكيب الجابري الذي أصدر أولى رواياته (نهم) عند عودته من أوروبا، وفيها «نجد السيطرة الكاملة للعنصر الغربي. تدور في جوٍّ غربي تماماً. موضوعها يُوضِّح أحد الأقوال السائرة للشاعر الألماني جوته». وتتناول روايات أخرى انكسارات وخيبات أمل، خاصة أو وطنية، كما هو الحال عند الروائي محمود أحمد السيد في روايته (جلال خالد)، التي نُشرت بعد ثماني سنوات من إجهاض ثورة العراق عام 1920م. ويختار الروائي التونسي محمود المسعدي الرمزية، للتعبير عن حالة الانكسار هذه، فنجده في روايته (مولد النسيان) يستخدم الموت والحمى والكفاح في البحث عن دواء وأعشاب النسيان كرموز لتصوير وضع الأمة المرير، وإن كانت الرواية في ظاهرها تحكي قصة اجتماعية بين رجل عربي وزوجته.

وجهٌ آخر ومغاير من وجوه الانكسار، يظهر في الرؤية الاستشرافية «الانهزامية» التي تجعل من هزيمة الحاضر بذرة لهزائم أخرى أشد وطأة وقسوة. تبرز هذه الرؤية بوضوح في رواية إسحاق موسى الحسيني (مذكرات دجاجة) الصادرة عام 1943م. تستلهم الرواية من التراث فكرتها المبنية على قصة حياة دجاجة، وبذلك تقودنا لـ(كليلة ودمنة)، وتحيل الدجاجة إلى عدة دلالات: فهي أنثى مغرية منتجة لكنها ضعيفة، يسهل التغلب عليها باصطيادها ثم ذبحها وأكلها نهاية المطاف.

لا تخطئ العين ما يرمي إليه الحسيني في روايته هذه، رغم أنه يُؤكِّد في الصفحة الأولى من روايته أنه يتحدث عن قصة حقيقية لدجاجة عاشت في بيته. ليست الدجاجة إلا فلسطين، وليست فلسطين غير مدخل لاحتلال الوطن العربي والاستيلاء على ثرواته ومقدراته. رؤية الحسيني هنا استشرافية للمستقبل كما سبق القول، لكنها رؤية مثقلة باليأس، فلا ترى المستقبل إلا مسرحاً لانكسارات أكبر وأوسع.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store