Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

أساتذتي.. في المنزل

بانوراما

A A
لا شك أن المنزل هو المدرسة الأهم والأولى للأبناء، ولا شك أبداً في أن الأم هي الموجه الأول في حياة كل طفل، ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته (العلم والأخلاق) إذ يقول:

الأمُّ مدرسة إذا أعددتَها .. أعددتَ شعباً طيب الأعراق

ثم إن الأعمام والعمات والأخوال والخالات والأجداد والجدات والجيران والأصدقاء، كل هؤلاء يؤلفون المدرسة الكبرى التي يبدأ كل طفل بتلقي دروسه الأولى فيها. ثم إن هؤلاء جميعاً أشد تأثيراً في نفس الطفل الغضة من الأساتذة الذين يجلس أمامهم على مقاعد الغرف في المدرسة. فمن حسن حظ الطفل أن ينشأ في منزل يعيش فيه الوالدان وبقية أفراد العائلة، فعندها يشارك الجميع في تربيته. وعشتُ وعاش هذا الجو أغلب عوائل مكة المكرمة قديماً. فمنه تعلمتُ شخصياً من والدي رحمه الله الصلاة وقراءة القرآن وشراء بعض أغراض البيت من السوق. وتعلمتُ من العائلة أيضاً، التعامل الصحيح مع ظروف الحياة.

إن جانباً من أصدقائي، إلى وقتنا الحاضر، هم من أبناء أولئك الرجال الذين كانوا أصدقاء والدي رحمه الله.

كنت كثيراً أتعجب من فعل أبي: حين يأخذني -وأنا في سن العاشرة-الى مجالس أصدقائه، مثل مجلس الشيخ عبد الله كعكي رحمه الله في المسفلة ومجلس المعلم الغربي رحمه الله في محلة شعب عامر ومجلس الشريف شاكر رحمه الله في العتيبية وغيرها من المجالس. أما اليوم فإني لا أعجب من ذلك، لأني أدركت أن معاملة الطفل على أنه اليوم طفل وأنه سيصبح رجلاً في الغد هي المعاملة الصحيحة في بناء شخصية الطفل. وتعلمتُ منه -يرحمه الله- فيما تعلمت منه هذه العبارة الاقتصادية: إياك أن تشتري شيئاً لا تحتاج إليه مهما كان ثمنه متدنياً، لأن في ذلك مضيعة للمال، ولا زلت أتذكر كلامه لي رحمه الله وأنا مغادر لدراسة الدكتوراه في بريطانيا في صيف عام 87م حين قال لي -فيما معناه-: «لا تعمل في غربتك شيئاً لم تعمله وأنت هنا في مكة المكرمة».

أما والدتي -أمد الله في عمرها وألبسها لباس الصحة- فبالرغم من أنها لم تكن تخط أو تقرأ في بداية حياتها، غير أنها كانت ربة منزل من الطراز الأول، فقد علمتنا الجد والصدق والعفة ومحبة بعضنا لبعض، واختيار الأصدقاء لدرجة، أني لا أعلم أني كنت ألعب مع من لا يعرف أبي من هو ومن أبوه وأسرته، خوفاً من أن أحتك بطفل لا تكون سيرته جيدة. لأنه لا فائدة من ترك الطفل يفعل ما يشاء له نفرٌ آخرون، ثم نأتي اليه فنعاقبه على أمر ما أو نعاتبه عليه.

وفي الختام: إن القدوة الحسنة هي الأساس الأول في تربية النشء، فعلى الأهل أن يسلكوا السلوك الحسن في حضور الأبناء وفي غيابهم، لأن كل شيء يفعله الأب أو الأم في السر سيعرفه الأبناء بالتأكيد يوم ما.

يقول أبو العلاء المعري:

وينشأ ناشئ الفتيان منا..على ما كان عوَّده أبوه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store