Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

«أستاذ متميز»

A A
في مطلع هذا العام الدراسي تشرفت بأن أدرت محاضرة كانت أشبه بندوة انعقدت في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة المؤسس، كان فارسها أستاذ تونسي كبير، وكان وقتها ضيفاً على المملكة، وزار جامعات عدة وألقى محاضرات فيها، وفي بعض النوادي الأدبية، ومنها النادي الأدبي الثقافي بجدة، وحين اطلعت على سيرته الذاتية الغنية لأُحضِّر لتقديمه، لاحظت عبارة «أستاذ متميز»، وظننت وقتها أن المقصود أنه متميز بأبحاثه أو بتدريسه أو بخدمته الجامعية الطويلة التي زادت عن أربعين عاماً، فهو رجل سبعيني، وقدمته فعلاً على أنه «أستاذ متميز» ظاناً أنها صفة نطلقها باستمرار على المتميزين من الأساتذة حتى لو كانوا من صغار السن، وبعد انتهاء الندوة جلست مع الضيف وكان معنا بعض أساتذة الكلية، واحد منهم أستاذ تونسي متعاقد مع قسم علم النفس بالكلية، ولكنه أصغر سناً من المحاضر.

وكان لابد لي من أن أسأل عن صفة «أستاذ متميز» التي تكررت كثيراً في سيرة الأستاذ المكتوبة، وعجبت كما عجب غيري من الحاضرين، وهم جميعهم أساتذة جامعيون، أن صفة «أستاذ متميز» مرتبة أكاديمية فوق الأستاذية التي هي أعلى مرتبة أكاديمية جامعية، كما يعلم الجميع، فتدرُّج المراتب الأكاديمية لحمَلة الدكتوراه كما هو معروف في الجامعات السعودية وغيرها: أستاذ مساعد، أستاذ مشارك، أستاذ، ويسمى الأستاذ المساعد، مدرساً في بعض الدول العربية، ولكنه يُرقَّى بعد ذلك إلى أستاذ مشارك مباشرة، ولم نسمع من قبل عن مرتبة علمية فوق الأستاذية، إلا بعد أن شرحها لنا الأستاذ التونسي الضيف ووضحها أكثر الأستاذ التونسي المتعاقد في كليتنا، وهذه الرتبة العلمية (الأعلى) تمنح لكل عضو هيئة تدريس خدم الجامعة لثلاثين عاماً أو أربعين مع تميزه بحثياً وتعليمياً. ويترتب عليها أن يحتفظ بمكتبه في الجامعة مدى الحياة،وإن كان ساكناً في مساكن الجامعة فيمكث فيها مدى الحياة، وتصرف له مكافأة إضافة إلى راتبه التقاعدي بمعزل عن تكليفه بساعات تدريس أو إشراف، إضافة إلى ميزات مادية ومعنوية كثيرة نسيت الكثير منها. ذلك كله يحدث في دولة تعتبر من الدول الفقيرة نسبياً، ونرى بأم أعيننا هذه الأيام كل يوم ونسمع عن الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تمر بها تونس بشكل مستمر.. فما بالنا بالدول الغنية والمتقدمة؟. وأذكر منذ سنوات أن بروفيسوراً كبيراً كان يعمل في مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، وهو عراقي حاصل على الجنسية البريطانية، وكان أستاذاً في إحدى الجامعات البريطانية قبل أن يتعاقد مع مستشفى الملك فيصل وكان صديقاً لي، زرته مرة وأخبرني أنه تلقى حوالة بمبلغ مائة وخمسين ألف جنيه إسترليني منحة من الحكومة البريطانية وزعت مثلها على الأساتذة الكبار من المتقاعدين. تلك حال «الأستاذ المتميز» في الدول الفقيرة والغنية على حد سواء. فما حال «الأستاذ المتميز» لدينا؟ بعد أن يفني زهرة شبابه في خدمة العلم والمتعلمين لأربعين عاماً أو يزيد، معلوم أن كبار الأساتذة حين يبلغون الستين، وبالميلادي: الثامنة والخمسين يُحالون إلى التقاعد بقوة النظام، وقد يُمدَّد لهم إلى الخامسة والستين وقد لا يُمدَّد، وقد يُتعاقد معهم وقد لا يُتعاقد، ويُطالبون قبل إخلاء طرفهم بتسليم كل شيء، السكن والمكتب بل حتى البطاقات الجامعية وملصقات السيارات (وجامعة الملك عبدالعزيز ألغت هذا الإجراء الأخير بتوجيه من مديرها).

والسؤال الذي تطرحه هذه المقالة بإلحاح: متى نبادر بتكريم أساتذتنا المتميزين بالتمسك بهم والتمديد لهم دون أن يطلبوا هم أنفسهم ذلك، كما تنص عليه الأنظمة الحالية؟ على أن يكون التمديد أو التعاقد مفتوحاً لا مقيداً بعام أو عامين، طالما كان الأستاذ قادراً على العطاء، علماً بأن معظم هؤلاء الأساتذة الخبراء يُستغنى عنهم ليُتعاقد مع أساتذة أقل منهم خبرة وعلماً من خارج البلاد، ألا بلغت اللهم فاشهد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store