Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

دردشة بصوت وصورة!

A A
«لو دامت لغيرك ما وصلت إليك».. ثمَّ، «فاكسب من الحاضر لذَّاته، فليس في طبع الليالي الأمان»، بهذه الكلمات المأثورة واسيتُ صديقًا يابانيًّا بالصوت والصورة؛ دخل نادي المتقاعدين لبلوغه السن القانونيَّة، متيحًا بتقاعده فرصة عمل لشابٍ في مقتبل العمر، مع أنِّي أراه في حيويَّته ونشاطه كما عهدته وهو في الأربعينيَّات من العمر لمَّا عملنا معًا في اليابان.

لم يبدُ متضايقًا من إحالته على التقاعد. كان سعيدًا لما سيتمتَّع به من حريَّة التحرُّك والتجول.. وما قد يكسبه من مهارات جديدة إذا ما انضم إلى مؤسَّسة ناشئة في اليابان مهمَّتها معالجة ما تُعانيه الشركات والمصانع من نقص الكوادر المتخصّصة وذات الخبرة بسبب تناقص عدد المواليد. ويستوجب ذلك رفد العمل بكفاءات أصحاب الخبرات من المتقاعدين في مجالات تخصًّصاتهم أو ما يمتُّ إليها بصلة. وكذلك بالعمل استشاريِّين لحديثي التخرُّج ليتمَّ رفع مستواهم العلمي والعملي. في الوقت ذاته، تنمِّي هذه المؤسَّسة مستوى المتقاعدين بالدورات والأنشطة لتطوير قدراتهم بما يتناسب ومتطلَّبات السوق.

هكذا يتهيَّأ صديقي المنضم حديثًا لنادي المتقاعدين لحياةٍ جديدة، وبدخلٍ إضافي متواضع يُضاف إلى راتبه التقاعدي، ممَّا يُوفِّر له ولأسرته حياة كريمة، وبساعات عمل يختار هو عددها وتوقيتها بحيث لا تحرمه من متعة الفطور صباحًا مع زوجته الذي حُرم منه لعشرات السنين. ويمكن له أيضًا العودة إلى ممارسة رياضة المشي بمعدَّل ساعتين يوميًّا؛ وهو ما افتقده طوال سنوات عمله الرسمي، التي قضاها ما بين البيت والمترو والمكتب، والعودة إلى المترو فالبيت، دون حتَّى إتاحة الفرصة له لمشاهدة ما أصبحت عليه الضاحية التي يسكنها، ووسط العاصمة التي لم يتجوَّل فيها من سنوات.

الآن أصبحت لديه إمكانية التجوُّل حيث يشاء، والقيام برحلات داخل اليابان وخارجها مهيَّأة للمتقاعدين بتكلفة رمزيَّة يكتشف فيها العالم من حوله، والجديد في طباع الناس وسلوكهم والتعرُّف إلى تطلُّعاتهم.. كلُّ ذلك على أهمِّيته، يتضاءل أمام لذَة التمتُّع بأحفاده الذين حُرِمَ منهم، تمامًا، كأبنائه وبناته في صغرهم. فقد كان يُغادر المنزل إلى العمل باكرًا وهم نيام، ويعود إلى المنزل في المساء وهم نيام.. ويوم العطلة الأسبوعيَّة، كان مخصَّصاً للتسوُّق لمتطلبات الأسرة.

اليوم، يصحو من النوم قبل أحفاده، ويشارك زوجته في إعداد فطورهم، وفي توجيههم وتثقيفهم.. ويتابع باهتمامٍ وسرور نموَّهم وتطوَّر قدراتهم، وهم يتقنون التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي من تلفزيون وهواتف ذكيَّة، ويكتسبون من المعرفة ما لم يكن متاحًا لنا ونحن في عمرهم.

أنهينا الدردشة بالدعاء بأن يُعطيه الله وجميع المتقاعدين الصحَّة، ويمنَّ عليهم بطول العمر بما يعوِّضهم عن سنوات العمل النظاميَّة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store