Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

صلاة الجماعة في المسجد (1)

A A
إنّ صلاة الجماعة ليست مُقيَّدة بالمسجد فقط، فصلاة الاثنين جماعة، لها ثواب الجماعة في أي مكان، والجمهور ليسوا على وجوب صلاة الجماعة على الأعيان، فهي إما فرض كفاية (الإمام الشافعي)، أو سُنَّة مُؤكَّدة (الإمام أبوحنيفة)، وانفرد الحنابلة بإيجابها على الأعيان، ومن أدلتهم في وجوبها الآتي:

1- استدلالهم بصلاة الخوف: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً).. مع أنّ هذه الآية تتحدَّث عن كيفية أداء الصلاة أثناء القتال، وليس عن وجوب صلاة الجماعة حتى في ساحة القتال، لأنّ الله جل شأنه لم يقل «وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فليقوموا معك، ولكن قال: (فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ)، ولكنّ الحنابلة يرون فيها دليلًا على وجوبها حتى في ساحات القتال، مع أنّه ليس فيها وجوب صلاة الجماعة، وإنّما فيها بيان صلاة الخوف، وذلك قياسًا على ما استنبطه ابن قدامة من قوله تعالى: (انفروا خفافًا وثقالًا)؛ إذ قال ليس في هذه الآية وجوب الجهاد، ولكنه إذا وجب فعليهم أن ينفروا خفافًا وثقالًا.

2- (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين)، ووجه استدلالهم هنا أنّه سبحانه أمرهم بالصلاة، وعبَّر عنها بالركوع لأنّه من أركانها، والصلاة يُعبّر عنها بأركانها وواجباتها، كما سمَّاها الله سجوداً وقرآناً وتسبيحاً، فلابد لقوله: (مع الراكعين) من فائدةٍ أخرى، وليست إلا فِعْلهَا مع جماعة المصلين، والمعية تُفيد ذلك، فالأمر المُقيَّد بصفةٍ أو حالٍ لا يكون المأمور مُمتثلاً إلا بالإتيان به، على تلك الصفة والحال، ولكن فاتهم أنّهم بهذا قد أوجبوا صلاة الجماعة على النساء أيضًا بتفسيرهم (واركعوا مع الراكعين)، فمعروف أنّ الخطاب القرآني يأتي على العموم بصيغة جمع المذكر، يشمل الذكور والإناث، ويكون الخطاب للنساء على التخصيص، فالآية تأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهي واجبة على المسلمين ذكورًا وإناثًا على حدٍّ سواء، وإن قُلنا إنّ هذه الآية خاصة بالذكور، نكون قد أسقطنا الصلاة والزكاة عن النساء، وهذا يُبيّن لنا أيضًا خطأ استدلالهم بهذه الآية على وجوب صلاة الجماعة.

3- حديث «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد»، وقد رواه الدارقطني عن جابر، ولم يُصحِّحه أحد، ورواه البيهقي موقوفًا عن الإمام علي رضي الله عنه، وقد ورد في تذكرة الموضوعات (36)، وكشف الخفا (2/509)، والعلل المتناهية (1/412)، وأورده الألباني في «الضعيفة» (183) وذكر له شواهد.

4- حديث ابن أم مكتوم: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ الكريم رَجُلٌ أَعْمَى (وهو ابن أم مكتوم) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ الرَسُولَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ. وهناك من علماء الحنابلة مَن يستدلون بهذا الحديث على وجوب صلاة الجماعة في المسجد بهذه الصياغة، وذلك لأَمْرِ الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعبدالله بن أم مكتوم بأن يُجيب النداء (حي على الصلاة حي على الفلاح)، وفي لفظ قال له: (لا أجد لك رخصة)، فدلَّ ذلك على أنّ الواجب أن تؤدَّى الصلوات في المساجد مع المسلمين، ولا يجوز أن تُؤدَّى في البيوت، ولم يذكروا حديث الترخيص لعتبان بن مالك، وقال ابن قدامة في المغني، وهو من فقهاء الحنابلة، «وإذا لم يرخّص للأعمى الذي لم يجد قائداً فغيره أولى»، وهو بهذا، تجاهل الترخيص لعتبان بن مالك.

للحديث صلة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store