Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

مثالية السعودية.. كيف فهموها؟!

A A
طوال القرن الحديث الممتد منذ اتفاقية (سايكس - بيكو ١٩١٦م) بين بريطانيا وفرنسا التي تقاسمتا بموجبها مناطقَ نفوذِهما في بلاد الشام والعراق وأجزاء من الخليج العربي، ومن ثَم قامت حركات المقاومة والاستقلال في البلدان العربية المحتلة حتى تم جلاء آخر محتل عن التراب العربي وظهور ما يُسمَّى بالدولة الحديثة على خارطة الوطن العربي؛ لم تظهر على السطح دولة عربية (مثالية) في مبادئها ومواقفها كـ(المملكة العربية السعودية) ذات البعد التاريخي الممتد لقرنَين سابقَين للقرن الحديث الذي ظهرت في مطلعه بوصفها دولة حديثة ذات سيادة على المساحة الأكبر من الجزيرة العربية، وذلك على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله.

قيام السعودية جاء ليُتمِّم ويُعزِّز ركيزتَين كانت -ولاتزال- أرضُها منطلقًا لهما، الركيزة الأولى: هي الدين الإسلامي الخالي من البِدَع والخرافات التي علقت به طوال القرون التالية للرسالة الخاتمة. الركيزة الثانية: هي الأصالة والشهامة والنخوة العربية التي عُرف بها العرب، ومن هاتين الركيزتين انطلقت مسيرتها، وكانتا لها بمثابة جناحين تطير بهما بتوازن واعتدال.

لست هنا في مقام القراءة المعمقة للمبادئ التي قامت عليها السعودية كونها مبادئ راسخة وواضحة وجلية يُدركها ذو البصيرة، ولستُ أيضًا في مقام الاستفاضة لمواقف السعودية التي لا يمكن حصرها مع شقيقاتها وجاراتها وصديقاتها ومع الإنسانية أنَّى كانت، فهي مواقف لا تخضع للمصلحةِ والهوى، ولا يتبعها المنّ والأذى. بالمقابل فمعظم الدول -عربية وغير عربية- تجدها في حالة (زئبقية) فلا تعرف لها اتجاهًا ولا مبدأً، تتوقف مبادئُها عادة عند عتبة مصالحها، في حين ظلت السعودية -في ظل تينك الركيزتين- ذات مبادئ واضحة وشفافة وراسخة، وذات نخوة وشهامة مع جاراتها وصديقاتها لا تتحول بتحوُّل المصالح، السعودية لها في بُلدان عديدة مواقف وفاء أو بصمات عطاء أو وقفات نُبل وشهامة، السعودية ومن ركيزتها الإسلامية بذلت لمسلمي العالم الكثير من مقدراتها ووقتها وجهدها، السعودية ومن ركيزتها العربية الأصيلة قدَّمت للعرب وقضاياهم -دعمًا ومؤازرة ونُصرة- ما يُرجِّح بكفة الدول العربية جميعها، السعودية قدمت وبذلت جهدها لاستقرار السلم العالمي، وأسهمت في التخفيف من معاناة البشرية دون النظر لدينها أو عِرقها، وكانت للعرب المسلمين بمثابة الركن الشديد. وبعد ما يقرب من قرن من الدأب المستمر تمثُّلاً لتينك الركيزتين أرادت السعودية أن تلتفت لنفسها -مع ثباتها على ركيزتيها- وهنا ثارت ثائرة بعض الأشقاء قبل الأصدقاء، وثارت ثائرة بعض الأصدقاء قبل الأعداء، وهؤلاء أغاظتهم تلك الالتفاتة، أغاظتهم أن تبدأ السعودية الجديدة تنفيذ رؤيتها الطموح، أغاظتهم أنها بدأت تَمِيْز الخبيث من الطيب، أغاظتهم أنها فضلت أسلوب المكاشفة والحزم على أسلوب (حَب الخشوم)، أغاظتهم أنها بدأت مسيرة التصحيح -داخليًّا وخارجيًّا- على المستويات كافة، أغاظتهم أنها كشفت نواياهم وفضحت مؤامراتهم، أغاظتهم أنها لم تعد تسمح لهم أن يفكروا بدلاً عنها، ولم يعد بإمكانهم السيطرة على عقول أبنائها وخيرات أرضها. يريدونها أن تمنح دون نقاش، وتستقبل دون فرز وتمحيص، وتدافع عن قضاياهم دون غيرها، وتترك ما يشغلها وتشتغل بما يشغلهم، وألا يكون لها الصدر؛ كونهم الأحق (بالقيادة والرأي والتفكير)، ويتوقف دورها على (الدفع)، وغاية مرادهم إما الجلوس على عرشها وإلا فتفكيكها. هكذا يريدونها، وهكذا خططوا واصطفوا بوجهها، وهكذا فهموا -بمكرٍ- مثاليتها الناتجة من تمثُّلِها لمبادئ الإسلام وقيم العروبة.. واليوم عليهم أن يدفعوا ضريبة مكرهم، فقد رفعت (القيادة) السعودية (والشعب) السعودي شعار «لستُ بالخب ولا الخب يخدعني» وهما يُردِّدان في مسمع الدهر:

‏اثْنَانِ في جَسَدٍ حَلَّا ومَا افْتَرَقَا

‏(قِيَادةٌ) صَدَقَتْ.. (شَعْبٌ) بها وَثِقَا

‏تآزرَا في سَبِيلِ الحقِّ فانْتَصَبتْ

‏خفاقَةً رايةُ التوحيدِ.. وانْطَلَقَا

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store