Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

بدء المسار.. باقتفاء الآثار

A A
طلب العلم وتعليمه من مكارم الأخلاق، فالعلم كالمعرفة يجب أن يكون متاحًا وميسَّرًا للجميع. لم يعد مقبولًا احتكاره من فئةٍ معيَّنة -كما كان عليه حال أوربَّا وقتما احتكرت الكنائس القراءة والكتابة، وتركت عامَّة الناس في جهلهم يعمهون-، استمرَّ ذاك الحال حتَّى مطلع عصر النهضة، وبدء الثورة الصناعيَّة الآليَّة، ومعه فكُّ ارتباط رجال الصناعة بالكنيسة، وشيوع القراءة والكتابة والتعليم النظامي والمهني، وإنشاء المصانع إلى جانب المزارع؛ الذي بدوره حقَّق مساواة عادلة، والاكتفاء والرخاء للمجتمع.

لم يكن ذاك الحال الأوَّل في التاريخ، فقد سبقها المسلمون الأوائل، وبتوجيه من رسولنا الكريم، فكَّ أسرى غزوة بدر من القريشيِّين الذين امتهنوا التجارة لكونهم متعلِّمين مقابل تعليم القراءة والكتابة لعشرة من المسلمين، الذين كانوا حتَّى ذلك العهد يُتقنون الزراعة في بساتين المدينة المنورة.

وما دام العالم قد تابع قمَّة العشرين مؤخراً في الأرجنتين، والتي شاركت فيها المملكة ممثَّلة بصاحب السموِّ الملكي الأمير محمَّد بن سلمان وليِّ العهد. وشاركت فيها اليابان أيضًا التي حقَّقت تفوُّقًا اقتصاديًّا وتقنيًّا بعد استسلامها للحلفاء.. وقد اتَّخذت سلاح العلم والمعرفة عوضًا عن سلاح الحديد والنار. ولإيمانها أنَّ العلم يجب أن يكون متاحًا للجميع، فقد فتحت اليابان أبواب جامعاتها ومعاهدها ومصانعها للطلبة من دولِ الجوار التي عانت من الاحتلال الياباني قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، لتلقي العلم والمعرفة على قدم المساواة مع نظرائهم اليابانيِّين. وبعد تخرُّجهم عادوا إلى بلدانهم، وخلفهم رجال المال والأعمال من اليابانيِّين والأمريكان يقيمون لهم في بلدان الشرق الأقصى فروعًا للمصانع اليابانيَّة، يُديرها مَن تلقُّوا علومهم في الهندسة والتصنيع في اليابان. ونظرًا لتدنِّي أجور اليد العاملة في تلك البلدان، فقد كانت تكلفة منتجاتها أقلَّ من مثيلها المنتج الياباني. وهكذا فتحت منتجاتها أبواب التصدير إلى معظم دول العالم.. وبفضل العلم والممارسة العمليَّة، قفز اقتصاد بلدانهم في ثمانينيَّات القرن الماضي إلى القمم، وأُطلق عليهم النمور الآسيويَّة.

ما نُعوِّل عليه من قمم العشرين، هذه السنة في الأرجنتين، والقادمة في اليابان، وبعدها عام 2020 في المملكة أن تعمل على دفع العلم والمعرفة في دولنا وكذلك الدول النامية، لتقريب الفوارق بين الدول النامية والدول الغنيَّة. ففي صعود الشباب المتعلِّم، فتحت اليابان أبواب جامعاتها ومعاهدها ومصانعها للطلبة لمجتمع أكثر رفاهية وازدهارًا، ممَّا يبعدهم عن التطرُّف باسم الدين، وكلُّ الأديان براء من دعاة الطائفيَّة والعنف والتفرقة، ومن إجرام الجماعات الإرهابيَّة التي لا تملك من مكارم الأخلاق ما يُقوِّم أخلاقها وسلوكها. ولأنَّنا نرى النور في مسارنا الطويل، يحدونا الأمل في اقتفاء مملكتنا الخُطَى الرشيدة لبلوغ ذلك الهدف السامي، والله الهادي إلى سواء السبيل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store