Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

صلاة الجماعة في المسجد (2)

A A
توقَّفتُ في الحلقة الماضية عند تجاهل «ابن القيم» الترخيص لعتبان بن مالك، كدليل على عدم وجوب صلاة الجماعة؛ إذ طلب من الرسول الكريم أن يُصلي في بيته ليتخذه مصلى له، فقد جاء في الصحيحيْن عن عتبان بن مالك، قال: «كنتُ أصلي لقومي بني سالم، فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلّم، فقُلت إِنَّي أنكرتُ بصري، وإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فوددتُ أَنْك جئت فصليت في بَيْتِي مكانًا حتى اتخذه مَسْجِدًا فَقَالَ: «افعل إن شاء الله»، فغدا عليَّ رسول الله وأبوبكر معه بعدما اشتد النهار، فاستأذن النبي -صلى الله عليه وسلّم- فأذنتُ له، فلم يجلس حتَّى قال: أين تُحب أن أصلي من بيتكم، فأشرتُ إلى المكان الذي أُحب أن يُصلي فيه، فقام رسول الله فكبَّر وصففنا وراءه، فصلَّى ركعتيْن، ثم سلّم وسلّمنا معه»، فهذا أكبر دليل على جواز صلاة المرء في بيته.

6- من أدلتهم: حدّثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمر بحطبٍ فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيُؤذَّن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنّه يجد عَرْقاً سميناً، أو مِرْمَاتين حسنتين لشهد العشاء (رواه البخاري (618)، ومسلم (651)).

7- وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً يصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» (رواه البخاري (626)، ومسلم (651)).

8- وجاء في شرح الحديث من إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: وحطب واحتطب بمعنى واحد، قال في الفتح: أي يكسر ليسهل اشتعال النار به، وتعقبه العيني بأنه لم يقل أحد من أهل اللغة إن معنى يحطب يكسر، بل المعنى يجمع (ثم آمر) بالمد، وضم الميم (بالصلاة) العشاء أو الفجر أو الجمعة أو مطلقًا، كلها روايات ولا تضاد لجواز تعدد الواقعة (فيؤذَّن لها) بفتح الذال المشددة، أي يعلم الناس لأجلها. والضمير مفعول ثانٍ، (ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف) المشتغلين بالصلاة قاصدًا (إلى رجال) لم يخرجوا إلى الصلاة (فأحرّق عليهم بيوتهم) بالنار، عقوبة لهم، وقيد بالرجال ليخرج الصبيان والنساء، ومفهومه أن العقوبة ليست قاصرة على المال، بل المراد تحريق المقصودين وبيوتهم، وأحرّق بتشديد الراء وفتح القاف وضمّها كسابقه، وهو مشعر بالتنكير والمبالغة في التحريق.

وبهذا استدلّ الإمام أحمد ومن قال: إن الجماعة فرض عين، لأنّها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكان قيامه عليه الصلاة والسلام ومن معه بها كافيًا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومن حمل ذلك على ترك شهود الجمعة فسياق الحديث يُبيِّن ضعف قوله، حيث ذكر صلاة العشاء والفجر، ثم أتبع ذلك بهمّهِ بتحريق من لم يشهد الصلاة».

وأقول إنّ هذيْن الحديثيْن:

1- يتعارضان مع القرآن الكريم في قوله تعالى: (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ).. (القصص: 56).. (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ. ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ).. (يونس: 99-100).. (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغي).. (البقرة:56).. (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُر).. (الكهف:29).. (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).. (الأنبياء:7).

2- يتعارض مع أحاديث فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد الواردة في الصحيحيْن أيضًا.. وهذا ما سأبيّنه في الحلقة القادمة إن شاء الله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store