Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

صلاة الجماعة في المسجد (3)

A A
توقَّفت في الحلقة الماضية عند بيان تعارض أحاديث حرق الذين لم يصلوا جماعة في المسجد مع أحاديث فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد، وهي:

- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا».. أخرجه البخاري، فأبوهريرة راوي أحاديث حرق مَن لا يُصلون الجماعة في المسجد، روى هذا الحديث الذي يُجيز صلاة الفرد في بيته.

- حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة».. أخرجه البخاري ومسلم، فهذان الحديثان أخرجهما البخاري في صحيحه، وأخرج مسلم حديث ابن عمر في صحيحه، وهما أخرجا حديثي الحرق لمَن لم يحضر صلاة الجماعة في المسجد، فكيف هذا التعارض؟!

- إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُقدم على هذا، فقد وصفه الله تعالى: (وبالمؤمنين رؤوف رحيم)، وصلاة الجماعة في المسجد مستحبة، فهو لم ينكر على اللذيْن صليا في رحلهما، ولو سلّمنا جدلًا بصحة الحديثيْن، كيف يحرق في بيته مَن تخلّف عن صلاة الجماعة في المسجد؟، كيف تعيش أسرته من بعده، وقد مات معيلها حرقًا، وحرق بيتهم، فيبقون بلا معيل ولا مأوى، وقد يُحرق مَن في بيته جميعًا معه، وهذا كله يتنافى مع قيم ومبادئ الإسلام. وكيف يُحرق وقد يكون قد صلى جمعة مع أهل بيته؟.. أو يكون مريضًا لا يقوى على الخروج، ثمّ أنّ عليه الصلاة والسلام عندما مرض لم يصل بالمسجد، وقال لعائشة رضي الله عنها: «مروا أبا بكر فليصلِّ بالنّاس»، وهو القائل: «صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا»، وفي رواية «سبعًا وعشرين ضعفًا».

- لو كان حديثا الحرق صحيحيْن لأخذ بهما الأئمة الثلاثة السابقون للإمام أحمد (أبوحنيفة، مالك، الشافعي)، الذين لم يُوجبوا صلاة الجماعة، فكيف صلاتها في المسجد؟!

- اختلاف آراء الإمام «ابن تيمية» الذي يرى بحرق المتخلفين عن صلاة الجماعة في المسجد، في حين أجاز لمن يخشى على ماله الفساد من أصحاب الصنائع وبعض المهن الجمع، والجمع لا يكون إلّا في صلاة الفرد.

- لم يقع اتفاق على وجوب صلاة الجماعة.

- لو كانت صلاة الفرد باطلة، لم يفاضل بينهما؛ إذ لا مفاضلة بين الصحيح والباطل.

- إنّ هذيْن الحديثيْن يُصوّران الإسلام دين عنف، وأنه يُكره الناس على عبادة خالقهم، ولو أخذ بهما الدواعش، وحرقوا الناس في بيوتهم لتخلُّفهم عن صلاة الجماعة في المسجد، عندئذٍ ماذا سيقول فقهاء الحنابلة، وماذا سيقول الذين يُكفِّرون مَن يقول بعدم صحة بعض أحاديث الصحيحيْن كأحاديث حرق المتخلفين عن صلاة الجماعة في المسجد؟!. والأسئلة التي تطرح نفسها:

* هل صلاة الجماعة في المساجد لم تكن واجبة على المسلمين إلّا في زمن الإمام أحمد بن حنبل، وكان المسلمون منذ عهد الرسول الكريم إلى زمن الإمام أحمد لم يلتزموا بصلاة الجماعة في المسجد؟.

* هل كان المسلمون مُخالفين لدينهم قبل الأئمة الأربعة، حتى نُلزَم باتباع أحدهم، ونأخذ بأحكامه بما في بعضها من مخالفاتٍ صريحة، كما رأينا في حكم الحنابلة على وجوب صلاة الجماعة في المساجد؟. فممّا يُسيء إلى الإسلام، أن يُصلِّي الناس بالإكراه، في حين أن الإسلام ليس دين إجبار؛ حيثُ قال تعالى: (لا إكراه في الدين).

* أخيراً.. لماذا لا نأخذ بالأيسر في الدين طبقًا للكتاب والسنة، دون التقيُّد بالالتزام بمذهبٍ معيّن؟.. هذا وبالله التوفيق.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store