Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

مي زيادة.. ودور عائلة الجزائري في إنقاذها من العصفورية

A A
لقد شغلت قضية مي زيادة الكثير من المثقفين والملوك والرؤساء والأطباء والمفكرين والإعلاميين والعائلات الشامية العريقة.. بالخصوص عندما انفجرت قضيتها في ثلاثينيات القرن الماضي.. أرشيف ذلك الزمن يحيلنا إلى حقائق لم تظهر بالشكل الكافي.. نعرف اليوم كيف تدخل الأمير سعيد الجزائري لدى ملك الأردن عبدالله ابن الشريف حسين وأطلعه -بحكم علاقته الخاصة به- على قضية مي زيادة، وشرع له بالتفصيل ماذا تمثل ثقافيًا شاميًا وعربيًا. فتدخل الملك بلا تردد أمام الرئيس اللبناني، وأخبره بقصة مي كاملة.. فوجئ الرئيس بالقضية ووعد أن يفعل شيئًا لإنقاذها من مظلمة مستشفى العصفورية.. وهو ما قام به بالفعل لدى وزارة الصحة وأجهزة الدولة الفاعلة. تم تشكيل لجنة لدراسة وضعيتها الصحية، فخرجت قضيتها إلى العلن، الوثائق المتوفرة اليوم ومنها كتابات مي المنسية ووثيقة أمين الريحاني: قصتي مع مي، تؤكد على الجهد الاستثنائي الذي بذلته عائلات الجزائري (الأمير عبدالقادر) كان كبيرًا وأفضى إلى نتائج كبيرة انتهت بإنقاذها من نهاية مأساوية.

كل شيء بدأ عندما التقت مي بالمستشفى الأمريكي بسيدة من عائلة الجزائري كانت تعاني من متاعب صحية، وكانت تعرف مي وقرأت الكثير من مؤلفاتها.. أوصلت القضية إلى قيدوم العائلة الأمير سعيد الذي أثار القضية على مستوى ملك الأردن والرئيس اللبناني، وكان الأمير سعيد قد تعرف من خلال المراسلات على مي في منتصف العشرينيات عندما زارت دمشق للحديث عن كتابها: باحثة البادية.. فقد رحب يومها بزيارتها للشام أيما ترحيب، ناقشت معه قضايا كثيرة بالخصوص الاعتداء على المسيحيين في ١٩٢٥ الذي لعب الأمير دورًا مهمًا لإيقافه سيرًا على تقليد جده الأمير عبدالقادر في أحداث ١٨٦٠ في الجبل ودمشق، وتمكن يومها من إنقاذ ١٥ ألف مسيحي كانوا مهددين بالإبادة الكلية.

تقول مي: «عند حلول الكارثة (في ١٨ تشرين أول- أكتوبر، ١٩٢٥) كان أول ما فكر فيه آل الجزائري هو حماية المسيحيين، لأن الحكومة المحلية سحبت قواتها من حيهم وتركته بلا حماية.. وإنه في اليوم الثاني وقد التجأ إلى آل الجزائري، آل العجلان، القوتلي، والإيوبي، رجالا ونساء وأطفالا.. بعد الحريق ذهب الأمير سعيد لمقابلة الجنرال غاملان وطلب منه أن يتوقف عن ضرب البلد بالقنابل، وقد توقف».. وشكرت مي الأمير سعيد على حسن صنيعه «أما عطفك واستحسانك يا سمو الأمير، فقد عودنيها فضلك. وصرت أتلقاها شأن من طائفة الأزهار الناضرة فلا يناقش في ما إذا كان أهلا لها، بل يعكف على التمتع بنعمة حسنها ونفحة عطرها».

قبل أن يتفطن الكثيرون لمأساتها، كانت عائلة الأمير سباقة إلى الاهتمام بقضيتها ضد الظلم الذي سلط عليها. وقد انتهت محاولاتها إلى تكوين لجنة طبية لدراسة حالتها عن قرب، على الرغم من نفوذ جوزيف زيادة الذي كان وراء مأساتها المدمرة.. أولى العلاقات بدأت عند زيارة مي لدمشق، لتقديم كتابها: ملك ناصف، باحثة البادية.. يومها رحب بها الأمير سعيد، أحد أنشط أحفاد الأمير عبدالقادر الجزائري، في الحركة الثقافية والاجتماعية والسياسية في دمشق وبلاد الشام. المراسلات التي نشأت بينهما نسجت اللحظة الأولى لصداقة ستكبر داخل العائلة في أفق الإعجاب والاحترام. لهذا عندما اقتيدت مي إلى العصفورية، ثم إلى المستشفى الأمريكي، كانت هذه العائلة الشامية، ذات الأصول الجزائرية حاضرة بقوة، بل لعبت دورًا مهما في إنقاذها من جنون مؤكد، وموت في النسيان كما حدث للكثيرين والكثيرات. سهرت عليها حرم الأمير مختار عبدالعزيز الجزائري، وهي من عائلة الأيوبي حتى مغادرتها مستشفى ربيز، وكذلك بدرية الأيوبي، نسيبة الأمير مختار التي كانت وراء الحملة التي بذلت لمناصرة مي منذ كانون الثاني ١٩٣٨.. فهي من أخبر عمتها وزوجها الأمير مختار والأمير أحمد.. لم يصدقوا في البداية أنها مي التي تملأ كتبها بيوتهم. استمعوا إلى قصتها بالتفصيل من فمها.. كانت مي تثق كثيرًا في بدرية التي دفعت بالأميرات الجزائريات إلى الاتصال بزوجة القنصل المصري لإقناعه بضرورة رفع الحجر عن مي، بوصفها مواطنة مصرية.. لكن يبدو أن القنصل كان على علاقة مصلحية وثيقة مع ابن عمها مغلقًا، سبب تهلكتها، جوزيف زيادة. وظلت عائلة الأمير المختار وأخوه أحمد، وأخواته، يتابعون، برفقة أمين الريحاني، مستجدات وضع مي عن قرب.

يذكر أمين الريحاني ذلك بوضوح في كتابه «قصتي مع مي» وهو شاهد حقيقي وعيني على ما بذلته عائلة الأمير بفضل عائلة الجزائري، أخرجت قضية مي من أدراج النسيان وحولت إلى قضية وطنية وعربية. وكان الأمير سعيد أحد رواد الثورة العربية الكبرى في الشام في ١٩١٨، الذي رفع قضيتها إلى المؤسسات السلطوية العربية الكبرى، كان يحاول أن يتم رسالة جده الأمير عبدالقادر الجزائري، الإنسانية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store