Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

هل يبيح الإسلام الموسيقى والغناء؟ (3)

A A
توقفتُ في الحلقة الماضية عند ترك مَن يُحرِّمون الموسيقى والغناء حديثين صحيحين في صحيح البخاري أباحا الغناء والموسيقي، ويستشهدون في تحريمهما بحديث هشام بن عمّار، وهو يعتقد بالحلولية، والحديث من مُعلّقات الإمام البخاري.. هذا لو سلّمنا جدلًا بصحة هشام بن عمّار، فلا يُستدل به على تحريم المعازف؛ لأنّ المعازف تُحرّم إن كانت في مجلس فيه الناس يتعاطون الخمر، ويُمارسون الزنا، ولم يأتِ نص على تحريم المعازف منفردة. كما أنَّ اعتماد الإمام البخاري هشام بن عمّار من رواته، وهو مطعون في عقيدته، يُؤكِّد لنا أنّ ليس جميع رواة البخاري ثقات، يُسلّم بصحة رواياتهم، فقد بيّن ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري بشرح صحيح البخاري (110) حديثًا للبخاري من التي انتقدها الدارقطني، وخصّص لها فصلًا، ومن ضمنها حديث: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، كما خصّص فصلًا عن رواة البخاري الذين فيهم طعن بالضعف والتدليس والإرسال والقطع وعددهم (464) راويًا. وممن طُعن فيهم عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب وسعيد المقبري، وهما من رواة حديث «النساء ناقصات عقل ودين».. هذا ومن أدلة إباحة الغناء مزامير داود عليه السلام، لقد كان فضل الله سبحانه على داود كبيرًا؛ حيث كان حسن الصوت، وعندما كان يصدح بصوتهِ الجميل ويُسبّح لله تعالى ويحمده، كانت الجبال والطير تُسبّح معه، فمزامير داود هي تسابيح لله، وضروب دعاء، وأناشيد فيها حمد وسجود وتمجيد له سبحانه، وهي ما كان يتغنّى بها داود عليه السلام من الزبور، وقد شبّه الرسول - صلّى الله عليه وسلم - حُسن صوت داود وجمال نغمته بصوت المزمار، والذي هو آلة موسيقية يستخدمها المغنّي.

كما أنّه عليه الصلاة والسلام مدَح صوت أبي موسى الأشْعري، وقد سمِعَه يتغنَّى بالقرآن، فقال له: «لقد أوتيتَ مِزْمارًا من مزامير آل داود».. متفق عليه.

ومن أدلة إباحة الإسلام للغناء والموسيقى، أنّ القرآن الكريم يُقرأ من قبل معظم المقرئين بمن فيهم بعض أئمة الحرميْن الشريفيْن طبقًا لمقامات سبعة من مقامات الغناء والموسيقى، وهي: البيات، والرست، الجاهركاه، النهاوند، الصبا، السيكاه، الحجاز.

يقول الشيخ إبراهيم الأخضر القيم، شيخ قُرَّاء القرآن الكريم في المدينة المنورة: «وأمر الحلال والحرام في القراءة بالموسيقى والمقامات ليست هي القضية، فالقضية أنّ لدي معالم محددة جدًّا لا ينبغي تخطيها بتاتًا لجعل صوتي مسرحًا للقرآن الكريم، والمعالم تتركَّز في قوانين التجويد، وأحكام التجويد، والوقف والابتداء، والالتزام التام بهذه القوانين.

الصوت الحسن يزيده حسنًا، كما جاء في الحديث: «زيّنوا القرآن بأصواتكم»، فمَن يريد أن يقرأ بالمقامات أو غيرها فيُمكنه ذلك، لكن المهم أن يتمسَّك بالقوانين والثوابت.

وتوجد قراءات لإمام الحرمين الشريفين الشيخ محمد أيوب -رحمه الله- من سورة الأنفال مقام السيكا الحجازي بنجكاه، وآخر سورة الأنعام بمقام الرست، وسورة الرحمن بمقام الرست، وسورة ياسين بمقام البنجكاه، وغيرها كثير، كما توجد قراءات لآخرين على تلك المقامات.

وأتساءل هنا: لِمَ يُضيِّق بعض الفقهاء على النّاس بتحريم ما أباحه الخالق جل شأنه، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: (يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ).. والموسيقى والغناء من الطيّبات التي تُريح النّفس وتُروِّح عنها؟ وإن قال البعض بتحريم الموسيقى والغناء سدًّا للذرائع، فأقول: إنّ في سد الذرائع اعتراض على ما أباحه الله، فالله أعلم بشؤون خلقه، وبالأصلح لهم، وهو خالقهم، والإسلام صالح لكل زمانٍ ومكان، والخالق هو المشرِّع، فلا يأتي أحد من البشر، فيُحرِّم ما أباحه الله تعالى، لوجهة نظر لديه؛ بدعوى درء المفاسد وسد الذرائع، فهناك ضوابط وضعها الخالق، أو بوحي منه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، علينا أن نلتزم بها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store