Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

بقاء الملالي ضرورة غربية!

A A
يقينًا أن الغَرْب ليس غبيًّا للدرجة التي يتخلى فيها عن مصالحه العليا؛ تلبيةً لاستجداءات العَرَب وصرخاتهم المتكررة، ومع هذا لم يفتأ يقدم (نخوته) مرة لبني يَعْرُب وأخرى لملالي إيران في تبديل للأدوار ذي غايات بعيدة حيرت أفهام العَرَب الذين ظل شغلهم الشاغل هو كيفية استمالة تلك النخوة الغربية لصالحهم لتزرع في قلوبهم شيئًا من الطمأنينة والسكينة. ملالي إيران وُجدوا -أو هكذا أُريد لهم- ليكونوا سندًا لتحقيق المصالح الغربية؛ بوصفهم ذوي توجه مغاير للتوجه الذي عليه غالبية العَرَب، وهو ما يعني ضمان وجود التنازع واستمراريته، والسعي للهيمنة على الخصمَين المتضادَّين، وهذه كلها أدوات لن يفرط فيها الغَرْب، بل سيعمل على بقائها وتسمينها واستغلالها. على هذا يخطئ العَرَب إنْ هم صدَّقوا بأن الغَرْب يعادي ملالي إيران، أو أن تهديداته لهم تأتي من منطق جادٍّ، أو أنه في لحظةِ نخوةٍ (صوتية) سيزيل ملالي إيران من على كوكب الأرض. تلك أمانيُّ بعيدةُ المنالِ يتحراها العَرَب، ويترقبونها؛ ظنًّا منهم أن ما يردده الغَرْب من خطابات تجاه ملالي إيران يأتي من منطلقات صادقة، ونتيجةَ محبةٍ للعَرَب خالصة، وعندما أقول (أماني) فلأن الغَرْب يدرك جيدًا أن بقاء ملالي إيران يحقق له غايات إستراتيجية لا يمكن أن تتحقق إلا ببقائهم في سدة نظام الحكم في إيران، ومن هذه الغايات: الأولى- ضمان توازن القوى في المنطقة، بحيث لا يتفوق العَرَب فيتسيدوا الساحة. الثانية- ضمان إضعاف التنمية والنهضة عند كلا الطرفَين المتنازعَين عن طريق إشغال كل منهما بالآخر وبالحرب ونُذُرِها. الثالثة- ضمان تواجده (الغَرْب) في المنطقة بحجة ضبط إيقاع النزاع. الأخيرة- وهذه ترجح بما سبقها، وهي ضمان تفوق ربيبته (إسرائيل) عسكريًّا واقتصاديًّا وتنمويًّا على العَرَب، من خلال إشغالهم بإيران وملاليها، وهو ما يجعل الجو يخلو لإسرائيل فتكون في منأى عن تفكير العَرَب فضلاً عن حربهم. ما يقوم به ملالي إيران من تدخلات في الدول العربية، وما يزرعونه من مليشيات وأحزاب ديدنها القتل والخراب والتحزيب وتجزيْء كل دولة تحل فيها هو ما كانت ستقوم به إسرائيل لولا أن الملالي قاموا بالدور بدلاً منها، لأجل هذا فلن يرضى الغَرْب بإضعاف ملالي إيران لعيون العَرَب، وما يمارسه من تهديدات إنما هو (ظواهر صوتية) تتكرر مع كل صرخة استغاثية عربية. ليس من حل أمام العرب إلا بواحد من اثنين: الأول- اتحادهم واجتماع كلمتهم، وصدقهم مع أنفسهم وشعوبهم، وأن يكون لهم مشروعهم الإستراتيجي الواضح المعالم، عندها تصبح لهم كلمتهم ومكانتهم ما يجعل الغَرْبَ يَصْدُق في عدائه لملالي إيران تحت تأثير قوة العرب ووحدتهم. الأخير- تطبيع العَرَب التام الصريح مع إسرائيل، والوحدة معها، وجعلها دولة صديقة تندمج فيهم اندماجًا تامًّا -وهذا لن يحصل لأنه ضد توجهات الحكومات العربية (الأبية) والشعوب العربية عامة- عندها يضمن العسرائيليون (العَرَب وإسرائيل بعد الوحدة الافتراضية) انقضاض الغَرْب على ملالي إيران وإزاحتهم من المشهد السياسي وإخضاع إيران للسِّلْم، وما لم يتحقق أحد هذين الحلَّين فإن بقاء ملالي إيران يُعد -من وجهة نظر غربية- ضرورة قصوى لا يمكن التفريط فيها مهما كلف الأمر، ولا أدل على ذلك من قرار الرئيس الأمريكي (ترمب) سحب القوات الأمريكية من سوريا مفسحةً بذلك المجال للمليشيات الإيرانية، ثم مهادنته مع إيران في خطابه الأخير. فليخففِ العَرَبُ من استجدائهم للنخوة الغَرْبية، وليضعوا نصب أعينهم قولَ إمامهم الشافعي «ما حَكَّ جلدَكَ مثلُ ظفرِكْ / فتولَّ أنتَ جميعَ أمرِكْ» وقولَ شاعرهم شوقي «مخطئٌ مَن ظنَّ يومًا / أن للثعلبِ دِينًا».
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store