Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

مكارم الأخلاق في مسيرة البناء

A A
من مكارم الأخلاق التي بعث الله نبيَّنا الكريم صلى الله عليه وسلم لإتمامها؛ الكثير من الإرشادات والتوجيهات لهداية البشر. وقد جاء وصفها في محكم الكتاب: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وتأكيدًا لها: (ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَولِكِ). ومن هديها وقوام صراتها، ما جاء على لسان نبيِّ الرحمة: «ليس منَّا مَن لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا». و»خيركم خيركم لأهله». و»إماطة الأذى عن الطريق صدقة». و»لا يؤمن أحدكم حتَّى يُحبُ لأخيه ما يُحبّ لنفسه». و»إنَّ الله يُحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنهُ».

ولاستكمال الصورة الجماليَّة للعلاقات الإنسانية بين الأفراد والجماعات، وُجِدَ فن (الإتيكيت)، وهو من الفنون الجميلة التي تعنى باحترام النفس، واحترام الآخرين، وحسن التعامل معهم. ونعلم من المراجع التاريخيَّة أنَّه في القرن السابع الميلادي في عهد المهدي؛ الخليفة العبَّاسي أنَّ «أبوالحسن علي بن نافع»، كان له إسهامات بارزة في الموسيقى العربية والشرقية، وقد برع في هذا الفن ووضع قواعده. وقد نقل أجمل ما في بغداد إلى قرطبة وباقي مدن الأندلس. وهو من نقل أحسن الأقمشة وأزهى الألوان من بيوت الخلفاء إلى بيوت النبلاء. وكُتب تاريخ الأندلس تُعطي من صفحاتها مساحات كبيرة لأبي الحسن بن نافع، حيث تنسب إليه الرقي بالذوق العام في الأندلس، فوصفته بالرجل المتأنِّق في كلامه وطعامه.

اليوم، وبعد طغيان ثقافة «الوجبات السريعة» في مجمل أمور حياتنا من طعامٍ وشراب وتواصل اجتماعي، فقدنا الكثير من تراث ذلك الفن الجميل. وهذا حال غالبيَّة المجتمعات الإنسانية، اللَّهم إلَّا قلَّة؛ في مقدَّمتهم اليابان التي تمكَّنت من مجاراة الأمم المتقدَّمة عنها علميًّا وتقنيًا، لكن ليس على حساب عاداتها وتقاليدها الموروثة، والتي فيها الكثير من مكارم الأخلاق المستوحاة من إمبراطورهم الذي لُقِّب بـ»الميكادو»، وأشار الشاعر حافظ إبراهيم إلى تقيًّد اليابانيِّين بتعاليمه وإرشاداته: «هكذا الميكادو قد علَّمنا أن نرى الأوطانَ أُمًّا وأَبَا». والوطن عندهم يُفتَدَى بالروح والدم. ويحرصون على توقير الكبير ورعاية الصغير، ومساعدة المحتاج ورفع الأذى عن الطريق، وإعطاء التعليم والمعلِّمين كلَّ التقدير. كلُّ هذه القيم يزرعونها في سلوك أطفالهم من الصغر.

هذه الأمور التي سنَّها لنا رسول الهدى ودين الحقّ، يبدو أنَّنا فقدنا العديد منها في مجتمعاتنا العربية، وأهملنا لغتنا العربيَّة.. فها هي العديد من مدارسنا تعطي الأولويَّة والأفضليَّة للغات الأجنبية على حساب لغتنا العربيَّة. وكم سيكون جميلًا بل من ضروريَّات الواجب القومي أن نقتفي آثار من وصفه الله تعالى بصاحب الخُلق العظيم، ونُعيد للغتنا العربية مكانتها ودورها في التخاطب وفي التعليم، ونحن نُجدُّد بناء صرح مملكتنا مع دخولها المئة الثانية من عمرها المديد السعيد إِن شاء الله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store