Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

«أفسدك قومك»!

بانوراما

A A
قد لا يصدق الواحد منا بسهولة -خاصة إذا لم يكن لديه خبرة كبيرة في تاريخ تربية الأبناء- إذا سمع أحداً يقول: إن بعض الآباء والأمهات يفسدون أبناءهم وبناتهم بسوء تربيتهم وعدم إعدادهم الإعداد الجيد لخوض حياتهم المستقبلية. بالتأكيد، للأب دور رئيس في التربية، مقارنة بالأم، باعتباره كما يقال وتد العائلة، ليس فقط من منطلق القوة الجسدية، ولكن على المستوى الوجداني أيضاً، لذلك فمسؤوليته أكبر في التأثير على الأبناء.

هنا سأكتفي ببعض الأقوال المشهورة التي تثبت صحة ما أقول:

روى الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يمجِّسانه» صدق عليه الصلاة والسلام. فنجد أن ما جاء في حديث رسول الله كافٍ جداً في هذا المقام ويظهر بشكل جلي دور الوالدين في تنشئة الطفل. وهناك الكثير من الأقوال التي لا شك أنها لا ترقى لقوله صلى الله عليه وسلم ولكنها تشير الى أن الأب على وجه الخصوص -كما ذكرت في مقدمة المقال- له الدور الأهم في تربية الابن الذي هو مرآة لأبيه يعكس كل ما تعلمه منه. في كتابه بعنوان (أفسدك قومك!) للأديب والشاعر المصري الكبير مصطفي لطفي المنفلوطي المولود في العام 1876م بمدينة منفلوط من أب مصري وأم تركية، ذكر الكاتب في قطعة مشهورة جداً في متن الكتاب، قال فيها: «أيها المجرم الفاتك الذي يسلب الخزائن نفائسها والأجسام أرواحها لست أحمل عليك من العتب فوق ما يحتمله ذنبك ولا أنظر إليك بالعين التي ينظر بها إليك القاضي الذي قسا في حكمه عليك لأني أعتقد أن لك شريكاً في جريمتك فلا بد لي من أن أنصفك وإن كنتُ لا أستطيع أن أنفعك. شريكك في الجريمة من لم يتعهَّدك بالتربية في صغرك ولم يحُل بينك وبين مخالطة المجرمين، شريكك في الجريمة هذا المجتمع الإنساني الذي أغراك بها ومهَّد لك السبيل إليها..» انتهي النص. لذلك يجب أن يُعَد الأبناء للحياة المقبلة، لأنهم بالتأكيد سوف يواجهون الحياة بمفردهم يوماً ما. وفي كتابه بعنوان (كتاب البنين)، ذكر الأديب الفرنسي ورئيس مجلس الأمة الأسبق والذي أصبح بعدها رئيساً لجمهورية فرنسا في عام 1931م بول دومر: أن الأب الذي يفسد أبناءه هو الذي يحملهم على كتفه ليخفف عنهم -كما يعتقد- مشاق الحياة فيظلون طول حياتهم عاجزين.

ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي الذي قال في قصيدته المشهورة (قم للمعلم) في حفل قام به نادي مدرسة المعلمين العليا بالقاهرة:

ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً

إن اليتيم هو الذي تلقى له أُماً تخلَّت أو أباً مشغولاً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store