Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

التعدد المتأخر: ضرره أكبر من نفعه

A A
لم تكن تربطه مع والده في حياتهما أي رابطة مميزة غير موجودة بين قرنائه في زمنه الذي كان يعيشه، فوالده كان من «أهل أول»، أدخله المدرسة، وتركه معتمداً بعد الله على جهده وشطارته، حتى الأكل والشرب، ليس إلا فطور كل يوم، «فول وتميز»، وأيام يكون الفطور «حليب مع تميز أو خبز»، وهكذا غداءه وعشاءه من خيرات يومه، لا يتكرر فيها اللحم والدجاج كل يوم، وليس هناك سلسلة من المطاعم السريعة، أو أكل خارج المنزل، ومع هذا يُقدِّر كل الأبناء -في ذلك الزمان- الآباء، ويُراعون هيبتهم التي تُشارك الأم في صناعتها، وتمضي السنين بصاحبنا في الزمن الجميل، ويتقدَّم به العمر، ويُصبح معيداً، ثم دكتوراً، وتصحبه أيام مع أصدقاء وزملاء، ويدخل في غمار الحياة، ويُكوِّن أسرة «زوجة وأبناء وبنات»، ويتذكَّر فيما يتذكَّر، كم كانت أسرته الأولى مع أبيه وأمه وإخوانه وأخواته في حياةٍ بسيطة وسعيدة، يغلب عليها مفهوم الجسد الواحد، الذي إن مرض منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وليس بينهم إلا كلمات الأدب والاحترام، وهو في خِضَم ما يتبادر إلى ذهنه من صور تلك الأيام، حتى يتحوَّل حديث مجلسه الذي هو فيه مع زملائه إلى نقاشٍ عن التعدد، والرغبة لدى بعض الجالسين في الزواج الثاني، فقال لهم لا تلعبوا بالنار، فالزوجة الأولى إن كانت تُحب زوجها وترعاه، وتضعه في قلبها، فإن أي عمل من هذا النوع الذي يُسمَّى «زواجاً ثانياً»، فإنه كسرٌ لها، واحذر من المرأة إن كُسِرَت جناحاها، فهي إما أن تذبل لعدم قدرتها على الطيران بعد كَسرك أجنحتها، أو أنها تتمرَّد وتصنع لها جناحاً جديداً، فتطير وتتركك وعشّك الذي سيُعاني هو ومن فيهِ من كآبة الحياة بعدها، وأصرّ اثنان من أصدقاء الحياة على تنفيذ ما بداخلهما من قرارات، وتزوَّج كل واحد منهما، وهما في سن الخامسة والخمسين، وزوجتهما لا تزالان تنبض في داخلهما الهرمونات، وحدث ما لم يُحمد عقباه. أما أحدهما فقد خلعته زوجته، وتطَّلقت منه، وتزوَّجت أحد أصدقائه، وهي تعيش معه أجمل حياتها، واعتراه هو (زوجها الأول) شيءٌ كبير من الحزن والندم على ما اقترفت يداه، فكم كانت -كما قال-: ساحرة بعطائها وجمالها، وحُبّها وأدبها، وطاعتها لزوجها، أما الآخر، فقد هجرته زوجته، وذهبت مع ابنتها التي تُحضِّر الدكتوراه في أمريكا، ولم تعد تسأل عنه، وكانت تقول له: اشبع بالزواج الثاني!؟ وكانت نتائج التعدد في الحالتين سيئة وضارة على الأسرتين، وهكذا فإن التعدد في سنٍ متأخرة ضرره أكبر من نفعه.
إن الزواج الثاني والتعدد من سُنن الله الكونية والشرعية، وهو أمر له ما يستوجبه، أو يجعله مستحباً، ولكن الغلط الكبير أن يأتي متأخراً في سن الرجل، ولك أن تتصور بيتاً فيه أم وأب وإخوان وأخوات، كم هي السعادة وهم ملمومون على بعض، أُم تخدم، وأب يسعى، والجميع يرتشف من رحيق الحياة الطيبة ما يُسعده، ويُريح باله وخاطره، ثم يأتي من يهدمه!! ففي ذلك الزمن الجميل الذي كانت فيه دواعي الزواج الثاني والتعدد أكثر إلحاحاً، وموجبة لأن تكون هناك من الآباء من حِفظ الود لزوجته، وعاش مع أم عياله دون أن يُفكِّر في موضوع كهذا، فلما كبر صاحبنا، وتذكَّر ذلك الزمن الجميل، وتذكَّر صنيع أبيه مع أمه بعدم الزواج عليها، قال: حق لي أن أُكبر والدي على عمله هذا، لكن للأسف لم يكن إدراك هذا الأمر مني إلا عندما كبرت.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store