Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

غطاء الذائقة الأدبية في الجوائز العربية

A A
كثرت الجوائز الأدبية في العالم العربي، وهذا مهم لأنه يسهم في جعل الكثير من النصوص مرئية، في ظل حركة توزيع عربية محدودة ومراقبة، وغير مجدية إلا فيما ندر، ما ينشر في بيروت قد لا يصل مصر، وما يطبع في مصر لا يصل إلى الأردن، ما يطبع في الجزائر قد لا يصل إلى الجارتين تونس والمغرب وهكذا. هناك آلية معطلة للأسف.. المَعارض تغطي نسبيًا هذا النقص، إذ يجد القارئ العربي كتابه هناك، بينما يفترض أن تلعب الجوائز دورًا توجيهيًا، إذ تحدد له ما يجب شراؤه، في غابة الكتب التي اتسعت حتى أصبحت النصوص الجيدة لا ترى شدة كثافة الكتابات المتواضعة أدبيًا.

إذن، رهانات الجائزة هي تقديم الأفضل سنويًا والأجود، أو على الأقل هذا ما يجب أن يحصل، بغض النظر عن التجربة والعمر الكتابي.. ما تقترحه الجائزة يفترض أن يكون معبرًا عن أجمل ما يحدث من مخاض أدبي في العالم العربي، وتجازي عمليًا النصوص التي تميزت خلال السنة، مثلما يحدث في أوروبا وأمريكا مع الغونكور أو الماين بوكر أو بوليتزر.. فهناك مثلا مجموعة روايات كانت مثار اهتمام النقد كتابة، وسجالاً، وحضورًا إعلاميًا، ففرضت نفسها كنصوص لا يمكن تجاوزها في القوائم الطويلة على الأقل، وربما الفوز.

المشكلة في العالم العربي، قليلاً ما توفق الجوائز في اختيار الأهم إلا فيما ندر من الجوائز التي تأصلت، ولها استراتيجية، وخطة، وتوجهات أدبية حقيقية.. وعندما تُسأل بعض لجان التحكيم لماذا غابت النصوص الكبيرة من القوائم القصيرة، تأتي الإجابة الجاهزة التي هي دليل إخفاق: إنها الذائقة.

الحكم العلمي ليس عبدًا للذائقة، لأنه يُفترض في عضو اللجنة أن يكون محكومًا بالموضوعية والعقل، وهذا يعني العمل العقلاني الجاد.. إذا كان رئيس اللجنة مثلا كارهًا للرواية التاريخية، وقد حدث هذا، إذ كتب مقالة هي أقرب إلى الأمية والجهل منها إلى العلم، حول الرواية التاريخية التي هي ظاهرة عالمية خرجت منها في السنوات الأخيرة الكثير من الأفلام والمسلسلات، والأوبرا والمسرح.. ليس من حقه طبعًا أن تكون ذائقته، بين قوسين، هي المتحكم في رأيه.. للنص الأدبي التاريخي مثلا نظام معقد، على رئيس اللجنة المفترض أن يرى في النص كيانًا مستقلا عنه.. وأن يرى إذا كانت خيارات الكاتب ونظام روايته مقنعين أدبيًا.. للرواية منطق يحكمها، وعقل مبطن يسيرها.. هل استطاع الكاتب وهو يستعمل التاريخ، منتصرًا للأدب في كل شيء بما في ذلك الإيديولوجيا والسياسة.. يلعب التخييل في النص الروائي دورًا هامًا في التحديدات القيمية، إذ يلغي التخييل الغني أي تصحر في النص إذا كتب بشكل جيد.. رواية بقدرات تخييلية عالية ترفع النص من اليومي وتدخله في مدارات الأدب.. الموضوعية التي لا علاقة لها بالذائقة إلا بشكل ثانوي.. ثم إن النص كيان لغوي، صعب الاختزال.. لا يمكن تصور رواية أو أي نص أدبي بدون إدراج المسألة اللغوية كوسيط يساعد على تقييم النص الأدبي.. للمسألة جانب عقلاني يتحكم في التقويم والتحكيم.. المسؤولية الأخلاقية ثقيلة وكبيرة لا يمكن أن تصبح رهينة الذائقة.. أصبحت كلمة ذوق مجرد وسيلة للتهرب من المسؤولية.

لهذا نجد بعض دورات الجوائز موفقة، لأنها اختارت أهم ما أنتج من نصوص في السنة، وكانت متساوقة نسبيًا مع أفق الانتظار الإعلامي والثقافي العام.. وهناك دورات لجنتها فاشلة كليًا إذ اختارت الأسوأ لأمر لا علاقة له بالموضوعية.. عندما تضم القوائم الطويلة أجمل ما أنجز في السنة فهذا مهم ويمنح الروايات المرشحة فرصة أن تصبح مرئية، بالخصوص للشباب القادمين نحو الرواية بأعداد هائلة.. وفجأة عندما يدخل العد العكسي نحو القائمة القصيرة، تختلط الأوراق، فتأتي القوائم القصيرة مخيبة للآمال كليًا، وهذا يعني أن الرهان لم يكن موفقًا وكان محكومًا بأشياء خاصة تغلفها الذائقة.. فالقائمة القصيرة في أية جائزة تعني اختيار أهم ما أنتجته العبقرية التخييلية على مدار سنة، وأهم ما ميز الدخول الأدبي.. والقراء في النهاية ليسوا أغبياء لإقناعهم بكلمة فضفاضة وغير علمية اسمها الذائقة.. يعرفون أنها تخفي وراءها ما لا يراد التصريح به، المحاباة، الوطنيات الزائفة، الذاتية المريضة، وغيرها.. الجائزة التي لا تخلق أفق انتظار حقيقي، ستكون مخيبة.. نحتاج إلى أن نتعلم كيف تصبح جوائزها كبيرة وبلا أية شبهة.. فالجائزة مسؤولية أدبية وأخلاقية وحضارية أيضًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store