العبث في تاريخ أسواق قلب البلد

من الطبيعي أن التوسع العمراني والسكاني يعقبه ازدياد ونماء في الحركة التجارية، و تعد الأسواق والمحال التجارية الواجهة الهامة التي تبرز ذاك النماء. وبما أنها واجهة تضاف إلى الواجهات الجمالية، فمن المفترض أن يكون لها دور فاعل يسهم في تقديم صورة حضارية تعكس ثقافة وتطور المدن وسكانها. في مدينة جدة تنعم بعض الأسواق والمحال التجارية بثقافة «تاجِر بكل ما هب ودب»..! كما تحرص على عرض بضاعتها بصورة مشوهة سواء كان ذلك على الواجهات أو بين الممرات «البسطات» أو الأرصفة وكذا الجهات الخلفية منها. والتي تفوق حاجة السوق بضاعة وملاكاً وافدين، كما أنها تفتقر إلى أدنى درجات البنى التحتية. وما يزيد الحال سوءاً أن بعض أصحاب تلك الأسواق والمحال يعمد إلى نحت هذا التشوه نحتاً، فيكدس الكراتين الورقية والأكياس البلاستيكية على الأرصفة وفي الجهات الخلفية لمحله، مما يكون له أسوأ الأثر بالدرجة الأولى على البيئة، ويلحق الضرر بالقاطنين في الأحياء المجاورة للسوق، خاصة إذا ما أهملت ولم تجد من يتلفها.. لم لا فالمثل الشعبي يقول: (جلد غير جِلدِكْ جرّه على الشوك). والماثل أمامنا من هذه الأسواق (البوادي، وسوق البدو، والشاطئ).. وما يحز في النفس أن لبعضها جذورا تاريخية وقصصاً مقروءة بين أزقتها ودهاليزها، ولكن امتدت إليها يد التجار الوافدين فعبثت بجسدها، وبعثرت ملامحها.. وأسواق الخاسكية، وباب مكة، وسوق قابل والندى المعروفة باسم أسواق منطقة البلد خير شاهد على ذلك. نشر في جريدة الرياض في العدد 14550 تقرير خاص يشير إلى أن هناك خطوات تجرى لتسجيل المنطقة التاريخية أو جدة القديمة في منظمة اليونسكو العالمية. متى يحدث هذا والحال على ما هو عليه..؟!، للجهات المعنية والرقابية دور في متابعة ما حدث وما سيحدث جراء تلك المخالفات، ولنا أيضاً كمواطنين الدور الأساسي والأهم، فالرقابة وحدها لا تكفي، والعمليات الجراحية التي تجرى بين وقت وآخر لا تكفي لتصحيح تلك التجاوزات. ومن تسبب في هذا الهدر المجحف في حق تلك الواجهة التاريخية، يجب أن يُعاقب ويُلاحق، فهذه الأماكن لها خصوصيتها ومذاقها الخاص الذي لا يعرفه إلا من عاش وتربى في تلك البقعة. * مرصد: أسواق قلب البلد المتهالكة تحتاج إلى عمليات متسارعة حتى تنتعش، والتصحيح وحده لا يكفي بل يجب مقاضاة المتسببين في ذلك قانونيًا.