Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

الوعظ «الممنوع»!!

A A
كل إنسان كتب الله له حياة على وجه الأرض؛ لديه أهداف يَودُّ أن يُحقِّقها، منهم مَن تكون أهدافه دنيوية، ومنهم مَن تكون للدنيا والآخرة، أما أن تكون أُخروية فقط، أي أن الإنسان ينسى نصيبه تماماً من الدنيا، فذلك ما لم يأمر به دين، ولا أتى به نبي، (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)، فالدنيا والسعي فيها وإعمارها وتملُّك المال والاستمتاع بكل ما هو مباح فيها حلال زلال على النفس البشرية، لكن الإيغال في كل ما سبق إلى حد التخمة، والإفراط في متطلبات الجسد على حساب الروح، يُورِّث الوجع والألم، والمرض والتيه، والحياة التعيسة بسبب البُعد عن الله، لذلك فإن اللهث خلف الدنيا ونسيان الآخرة تعاسة، كما وصف ذلك النبي عليه الصلاة والسلام: «تعس عبد الدينار والدرهم»، ومن هنا تأتي أهمية التذكير بحقوق الروح والآخرة، والوعظ بالموت، والوعظ بما يجعل التفكير الإيجابي يأخذ حظه، ويعود لتوازنه واتزانه، وقد ثبت عن عبدالله بن عمر أنه كان يتخوَّل الناس بالموعظة، أي أنه يُحدِّد جرعات محددة من الوعظ، وليس كل وقته وعظاً، لأن المداومة على الوعظ ممنوع، ذلك أن الحياة يتطلب السير فيها أن نُوازن ما بين العمل للدار الآخرة، وما بين النصيب من الدنيا.
واليوم، في عالم التواصل الاجتماعي؛ آذت الناس الجرعات السلبية الكبيرة التي تُرسَل من الوعظ، فمنها ما قد يُكسب الناس جوانب وأفكاراً سلبية، خاصةً وقد تعوَّد الناس الإدمان على الواتس أب، فعندما يستيقظون من نومهم «يستصبحون» على ما قاله فلان وفلان من الوعظ والموت، وقصر الحياة، والأفكار السلبية المثبطة لمشاريع الحياة، والتفاعل معها، فتُصاب الناس بالكآبة، ويُزيد ذلك من معدل الانكفاء والانطواء، والزهد غير المحمود، والبعد عن تحقيق الأهداف، والتفكير الدائم بالموت والحياة الآخرة، دون أي نظر للدنيا، واغتنام الفرص فيها للاستمتاع بها، وبناء الدارين «الدنيا والآخرة»، ومن حق كل نفس أن تكون لها خارطة طريق، وأهداف مرسومة، وأفكار إيجابية تنموية للحياة، بعيداً عن الشغل الشاغل بتنكيس حظوظها من الدنيا، بالوعظ السلبي الذي يخلف الأذى الداخلي في النفس البشرية، تماماً كما يعمل اللهث خلف الدنيا عمله في النفس البشرية، ويُقصيها عن الراحة، وعدم استلهامها لمتطلبات الناحية الروحية، كلاهما مرض وضرر، ولأن الراحة النفسية وراحة البال واستقرار الحال معنية به النفس البشرية نفسها، ومن داخلها، فإن تحقيق ذلك ليس له «معيارية» واحدة يمكن إسقاطها على كل نفس، لأن كل نفس أدرى «بثلثها»، وبما يريحها، وكل ينام على الجنب الذي يريحه، ولا ينبغي أن يقيس إنسان نفسه وراحة باله واستقرار حاله على أحد غيره، فكل نفس بما كسبت رهينة، فلها طبيعتها الجينية وأفكارها الذاتية وأهدافها الداخلية، فسبحان مَن سوَّاها، وألهمها فجورها وتقواها (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا).
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store