Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

استعادة المبادرة من الإرهاب والتطرف: درسٌ من نيوزيلندا

A A
في تعليقٍ مُعبّر على مظاهر التعاطف مع المسلمين في نيوزيلندا خلال الأسبوع الفائت، قالت إحدى الناشطات على حسابها في صفحة Facebook: «لم يبقَ إلا أن يعتنق النيوزيلنديون الإسلام»!

فيما يلي لقطات من المشهد الذي عاشته نيوزيلندا، وأعطت من خلاله درساً للعالم حين يملك مجتمعٌ ما الإرادة على استعادة المبادرة من التطرف والإرهاب، وأنقل معظم معلوماته من شبكة BBCالإعلامية البريطانية.. يتضمن المشهد، عند تحليل تلك المعلومات، دروساً في مجالات الإعلام والسياسة والمجتمع، نتحدث عنها تباعاً.

إعلامياً، نرى كيف خصصت الصحف النيوزيلندية صفحات كاملة نعت فيها جميع الضحايا بأسمائهم وتضمنت دعوة إلى حداد وطني.. وقالت صحيفة نيوزيلاند هيرالد في صفحتها الأولى: «دعوةٌ إلى الصلاة.. في الوحدة قوة.» أما صحيفة إكسبرس فقد نشرت كلمة سلام بالعربية على طول صفحتها الأولى.

هكذا، بوضوحٍ وصراحة، يمكن للإعلام أن يكون لاعباً رئيساً في تأكيد الوحدة الاجتماعية واستعادة المبادرة من الإرهاب، بدلاً من التعامل مع مثل هذه القضايا الإنسانية الكبرى بالمراوغة واللعب على الكلمات والتهرب من المسؤولية وممارسة الازدواجية في المعايير، كما يحصل كثيراً في مناطق أخرى من العالم (المُتحضّر)!

على سبيل المثال، تؤكد BBCأنه: «عادةً ما تتشابه الصور التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية لمنفذي الهجمات من المسلمين؛ إذ غالباً ما يكون شخصاً طويل اللحية، عابس الوجه، يحمل السلاح، ويهدد ويتوعد بصوت عالٍ وأجش.. لكن الصورة تختلف عندما يكون المهاجم من خلفية عرقية أو دينية أخرى.. فمنفذ هجوم نيوزيلندا، الذي أردى 50 قتيلاً وعشرات المصابين، صورته العديد من وسائل الإعلام الغربية على أنه «الفتى الأشقر الذي تحول إلى يميني متطرف».

ثم تنقل الشبكة عن شاهين باشا، أستاذة الإعلام بجامعة ماساتشوسيتس الأمريكية، إن التغطية الإعلامية للحادث أبرزت المهاجم في «إطار إنساني.. فهو الصبي الملائكي الأشقر، الذي ظهر في صورة تدعو للتعاطف كونه تعرض للتنمر في طفولته.. وبالتالي، يظهر الضحايا في هذه السردية بشكل ثانوي، على أنهم نتاج عملية تحول هذا الصبي إلى الشر». وأضافت أن هذا التناول يشكل عبئًا على الضحايا من المسلمين، «فعندما يكون المهاجم مسلمًا، يقع عليهم عبء تحمل تبعات الهجوم والنأي بأنفسهم عنه.. وعليهم دائما إثبات صحة مخاوفهم من تزايد نزعات الإسلاموفوبيا، حتى يقع هجوم كبير (مثل هجوم نيوزيلندا)، وعندها فقط تظهر مظاهر الدعم.. ثم يجدون أن الإعلام يبرزهم في صورة «الآخر» وليس كجزء من المجتمع.»

ثم تنقل الشبكة خلاصة دراسة أُجريت في جامعة ألاباما وجامعة ولاية جورجيا في الولايات المتحدة في يوليو/تموز 2018 تُشير إلى أن دين منفذ أي هجوم هو العامل الأكبر في تحديد توجه التغطية الإخبارية.. شملت الدراسة التغطية الإعلامية لأعمال العنف في الولايات المتحدة بين عامي 2008 و2016. وبيّنت الدراسة أن تغطية العمليات التي ينفذها مسلمون تزيد على التي ينفذها غير المسلمين بحوالي 357 في المئة. وذلك رغم أن العمليات التي نفذها اليمينيون المتطرفون بلغت حوالي ضعف التي نفذها المسلمون. وتشير الدراسة إلى أن الصياغة والتفاصيل وطريقة سرد الأحداث تختلف حسب دين منفذ الهجوم. فغالبًا تُستخدم كلمة «إرهابي» بشكل حصري لوصف العمليات التي ينفذها مسلمون، على سبيل المثال.. وأخيراً، تذكر الدراسة أن «المهاجم غير المسلم يجب أن يقتل سبعة أشخاص أكثر من نظيره المسلم ليحظى بنفس التغطية الإعلامية، إذ تحظى الهجمات التي ينفذها مسلمون بخمسة أضعاف التغطية التي تكرس للهجمات التي ينفذها غير المسلمين». وقد شملت الدراسة أعمال العنف التي وقعت بين عامي 2011 و2015، نفذ مسلمون 12,4 في المئة منها، لكنها حظيت بنسبة تغطية بلغت 41,4 في المئة.

من المؤكد أن رئيسة وزراء نيوزيلندا أدركت خطورة التعامل مع الموضوع من وجهة نظر علم الاتصال البشري، إذ قالت في خطابها أمام البرلمان: «سعى (منفذ الهجوم على المسجدين) لتحقيق عدة أهداف من عمله الإرهابي.. وكان أحدها أن يكتسب شهرة.. ولهذا السبب لن تسمعوني أذكر اسمه أبداً.. إنه إرهابي.. إنه مجرم.. إنه متطرف.. وعندما أتحدث لن أذكر اسمه.. وأناشدكم أن تذكروا أسماء الذين فقدوا حياتهم، بدلاً من ذكر اسم من أنهى حياتهم».

هذا كلامٌ سياسيٌ مسؤولٌ، بات يُفتقد مثيله في هذا العالم.. وهو، إلى ممارسات سياسية أخرى قامت بها رئيسة الوزراء، وحكومتها، يُعبِّرُ عن سياسةٍ تدرك تماماً كيف تستعيد المبادرة من الإرهاب، يجب أن يتعلم منها العالم، ونقرأ ملامحها الأسبوعَ القادم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store