Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

المثقف الخليجي.. تغييب أم غياب؟!

A A
السؤال أعلاه قفز أمامي وأنا أقلِّب -إلكترونيًّا- صفحات عددَين سابقَين لمجلتَين ثقافيتَين تصدران من دولتَين خليجيتَين. المجلتان تعدان من المجلات الثقافية الرصينة، إحداهما عمرها قصير، والأخرى تجاوزت الأربعة عقود، وليست هذه قضيتنا التي ألحَّت عليَّ وأراها تستحق الطرح؛ كونها -أي قضيتنا- تتعلق بمنظومة الثقافة الخليجية ومسيرتها، والمثقف الخليجي والأدوار المنتظرَة منه، وتتعلق بالمسافة الزمنية التي قطعتها الثقافة والمثقف الخليجيان، وتتعلق بالنظرة تجاه الخليج ثقافةً ومثقفًا، وهي بهذا تعيدنا إلى جدلية المراكز والأطراف التي ظننا أننا قد تجاوزناها. المجلتان تصدران -كما ذكرتُ- من دولتَين خليجيتَين، وهذا يقتضي أن يكون غالبية كُتابهما، أو حتى بعضهم من هاتين الدولتَين أو من دول مجلس التعاون الأخرى، ويقتضي أن تكون موادهما أو بعضها تناقش قضايا المشهد الثقافي لهاتَين الدولتَين أو لبعض دول المجلس، ويقتضي أن تكون بعض الأسماء المشاركة في ثنايا تقارير المجلتَين وحواراتهما من هاتَين الدولتَين أو من دول المجلس، وللأسف لم يحصل شيء من هذا، بل حتى الصور المدرَجة مع مواد العددَين لا تجد فيها صورة لإنسان خليجي، أو حتى لمَعْلم خليجي. الأمر المؤكَّد أن هذين العددَين ما هما إلا عينة لنماذج مماثلة بعضها يخلو، والبعض الآخر يكاد يخلو من كاتب أو مادة أو حتى صورةٍ لمَعلم من هاتين الدولتَين أو حتى دول المجلس. المطَّلع على كُتاب هاتين المجلتَين يجدهم من الدول العربية، من العراق شرقًا حتى المغرب غربًا، يضاف لهم عَرب مقيمون في آفاق شتى من العالَم، والحال نفسها مع مُعدِّي التقارير والحوارات، وبعض المواد ليست عربية وإنما هي مما جادت به الترجمة لمترجمِين عرب. طرح مثل هذه القضية لا يعني بحال من الأحوال التحيز ضد الأقلام العربية التي كان -ولايزال- لها السبق والفضل، ولا يعني المصادرة لها، أو الانغلاق والتقوقع، بل يعني أن تُقرأ القضية في سياقها الطبيعي لمعرفة مكامن العلة؛ فصدور مجلة ثقافية من (بلد ما) يعني حتمًا وجود أقلام من ذلك البلد على صفحاتها ولو في أدنى تمثيل، وهذا لا يعني النفي الكلي للأقلام الأخرى (العربية وغير العربية) التي تملك قَدرًا عاليًا من الثقافة والفكر ولديها القدرة على الإبداع والتجديد وإحداث الدهشة والتأثير؛ كون الثقافة والفكر لا يتقيدان بحدود، إنما هما حق مشاع وهَمٌّ إنساني مشترَك. لعل السؤال الذي يستوجب الطرح هو: لماذا إذن غابت أقلام مثقفِي دولتَي المجلتَين وأقلام مثقفِي دول المجلس عن تينك المجلتَين ومثيلاتهما، أهو نتيجة تغييب قصدي، أم هو غياب اختياري؟ لا أملك الدليل القطعي ولا الإجابة الحاسمة، لكنني أضع بعض الاستفهامات حول هذه القضية، ومنها: هل وجود مسيِّرِين لتينك المجلتَين من غير بلدَيهما هو السبب وراء تغييب الأقلام الخليجية عن المجلتَين؟ أم أن العلة تكمن في شح المواهب الإبداعية في بلدَي المجلتَين والخليج عامة؟ أم أن ذلك يعود لضعف النتاج الثقافي الفكري الخليجي -كمًّا وكيفًا- مقارنة بالعربي؟ أم أن المثقف الخليجي لا تستهويه مثل هاتَين المجلتَين ولا تُرضيان طموحه؟ أم أن المكافآت التي تقدمها المجلتان لا تُغري المثقف الخليجي؟ أم أن مصاريع الكتابة في هاتَين المجلتَين ليست مشرعة للجميع وإنما هي لنخبة مختارة لا تتبدل؟ أم أن المثقف الخليجي كسول لا يهتم بتطوير أدواته والمشاركة في إحداث الحراك الثقافي، وإنما يأخذ الثقافة على أنها أمر ثانوي؟ وهل يحق للمثقف والثقافة الخليجيين -والحال هذه- أن يطمحا للمشاركة والوصول إلى مستويات أعلى (عربية وعالمية)؟ وأخيرًا، ألا يمكننا استبدال لافتة (ثقافة الجزيرة العربية) الأعرق والأشمل بلافتة (ثقافة الخليج) الأحدث والأضيق؟.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store