Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

إمساك عن الكلام في شهر الصيام

A A
لم يكن أحدنا، ونحن في عمر أطفالنا وأحفادنا، يتصوَّر ويتخيَل تطوُّر شبكة التواصل الاجتماعي من هاتفٍ ثابت في واحدةٍ من غرف البيت، أو في مكتب مدير الإدارة التي نعمل فيها، إلى هاتفٍ محمول يُصاحبنا في كلِّ حركاتنا وتجوالنا، مصاحباً ساعة اليد لمعصمنا. وأن يتطوَّر إلى هاتفٍ ذكيٍّ يختصر الكومبيوتر في داخله، ليُرسل ويستقبل بالصوت والصورة، وتبادل الرسائل واستقبال الردود عليها في لحظات.

في البداية، انبهرنا بتقنية المعلومات والتواصل الاجتماعي، وما تقدِّمه من جديد نتابعه عبر شاشة الهاتف الذكي، الذي جعلنا نستغني عن السكرتيرة والمحاسب وموظَّف الأرشيف وساعي البريد والمؤذّن.. وهذا كلُّه غيض من فيض يتدفَّق.

ما يُقلق الآباء والأمَّهات والمعلِّمين والمعلِّمات في المدارس، وأطبّاء الأسرة والعيون والذاكرة في العيادات والمستشفيات، إدمان الناشئة، وهم في أولى سنوات طفولتهم على هذه الأجهزة الذكيَّة، يُتابعون عبر شاشتها الصغيرة فيديوهات اليوتيوب والألعاب، فتصرفهم عن دروسهم وعن اكتساب عادات الأسرة وأدب الحديث. وينسحب الأمر على أمثالنا المعمّرين الذين ينزوون منفردين في المنزل، ليتصفَّحوا هواتفهم الذكيَّة، ويتبادلوا الحديث عن بُعد مع أشخاصٍ غرباء عنهم. وهذا في حدِّ ذاته إدمان، يُدمِّر الأسرة ويُهدِّد المجتمع بالتفكّك ما لم يعالج ليستعيد الهاتف الذكي مهمّته في التواصل عند الحاجة، لا للتسلية وقتل الوقت!

يرى عدد من المختصِّين بالصحَّة النفسيّة اغتنام شهر رمضان المبارك، فندمج الصوم عن الطعام والشراب من الفجر حتَّى غروب الشمس مع إغلاق الهواتف الذكيَّة من بعد صلاة العصر حتَّى الانتهاء من صلاة التراويح، ومن منتصف الليل حتَّى وقت الإمساك، مكتفين بالهاتف الثابت لإرسال واستقبال ما هو مستعجل من مكالمات. وبهذا نُروِّض أنفسنا على البُعد عن هذا الجهاز الذكي، الذي سيطر على الكبار مِنَّا قبل الصغار لساعات من كلِّ يوم، مُقدّمة لتقنين ساعات الرجوع إليه بما فيه خير البلاد والعباد، بعيدًا عن اللهو والتسلية واللغو من الكلام.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store