Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

رمضان الوطن أم الوطن رمضان؟

A A
من قرأ كتاب المفكر العملاق عباس محمود العقاد المعنون له: «عبقرية محمد» وفلسفته في عبارته «محمد النبي أم النبي محمد؟» يدرك جيدًا ما أرمي اليه في عنوان مقالي: «رمضان الوطن أم الوطن رمضان؟».. الكاتب والشاعر والروائي العقاد على ما تحتويه كتبه -خاصة العبقريات- من فلسفة إلا أنك تدرك أن بها عمقًا ومعنى وقد أتعبني فهمها كثيرًا عندما كنت أقرأها في المرحلة الثانوية لكن في الأخير هناك منتج فهمي لفلسفته وخاصة لمثل هذا التبادل اللفظي وعلى غراره يكون مفهوم عبارة «رمضان الوطن أم الوطن رمضان» فشهر رمضان لحوالي تسعين عامًا هي السنين التي كان فيها وطن المملكة العربية السعودية يحكي لنا أن رمضان هو الوطن الذي تعيشه جميع القلوب: القبائل والعوائل الحاضرة والبادية حيث الجميع ينبذ العنصرية والطائفية فالكل يصوم في يوم واحد ويفطر في يوم واحد والحي الواحد في أَي مدينة منه كشكول من جنوب وشمال ووسط وشرق وغرب وأبيض وأسود وحاضرة وبادية فمكة بها النجدي والجاوي والهوساوي والغامدي والزهراني والدمام بها الحساوي بجانبه الحجازي والقصيمي والرياض بها المديني والجوفي والعسيري وحائل بها الشمري والحربي والعنزي وعرعر يسكنها من هو من حائل أو القصيم أو الجنوب.

وهكذا عندما يحل رمضان في كل عام يذكرنا بدخول هلاله والإعلان عن بدايته عن نعمة الوطن هذا الطود الشامخ الذي بناه الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وأورثه لشعب محب له ولترابه فرمضان عندما تحل لياليه وأيامه وتزدان مساجده بالمؤمنين والمؤمنات المقبلين على ربهم بالصيام والقيام وتصدح مكة والمدينة بأصوات عذبة من القراءات القرآنية فان الوطن كله يحضر وتلفه حالة من السكينة والوقار وتغشاه طمأنينة تفرض أن يفهم ويشعر ويستشعر كل فرد فيه أنه في نعمة تسمى نعمة الوطن.

هذا هو رمضان الذي يذكرنا مجيئه بالوطن وقد أذنت بالزيادة لمن يملأ حبه الوطن أن يضيف ما يشاء من معنى لرمضان يوحي بأنه وطن أما أن يكون الوطن هو رمضان فتلك فلسفة عميقة قام عليها الوطن بأسره بل وأسس لها من بنى الوطن بأن رمضان الركن الرابع من أركان الاسلام هو جزء من الشريعة الاسلامية التي قام عليها الحكم في المملكة العربية السعودية فعند ذكر الوطن لابد أن يحضر ماثلا أمامنا رمضان، رمضان الذي افترضه الله وأقره في كتابه ورمضان الذي ينتمي إلى الشريعة الاسلامية التي فيها الأحكام الاسلامية التي منها أن يُقتل (بضم الياء) فيه من بغى على غيره وقتل وأن من يزني أو يسرق يقام عليه الحد، رمضان الذي يؤسس للسلم الاجتماعي والتعايش مع الغير ويقوم على التسامح مع غير المسلمين اتباعًا لنهج محمد صَلى الله عليه وسلم، رمضان الذي ينبذ العصبية والطائفية وان ميزان التفاضل هو التقوى التي من أجلها كان صيام شهر رمضان (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فالوطن هو كل المعاني التي تنبعث من المدرسة الرمضانية من تحقيق الجوانب الاجتماعية والأخلاقية التي يبني الوطن عليها أسسه وأنظمته وقوانينه فتبادل المعنى بين الوطن ورمضان فيه عمق وانصهار وذوبان فلا يمكن أن يحكم شخص على المملكة العربية السعودية إلا أنها وطن رمضاني رباني ترفل فيه النعم بعطاء من الله ثم بتوحيده وحفظ حدوده وحبه والدعاء له وتربية الناشئة على ذلك.. فهل وصلت فلسفة العملاق العقاد في استخدام تبادل الألفاظ في المعنى أم لا؟

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store