Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

شكوك حول التاريخ

A A
* تدور شكوك حول أحداث تاريخية وقصص غابرة كثيرة، إذ من الصعوبة بمكان تصديق بعض تفاصيلها مهما بلغت درجة تواترها، فالتاريخ دأب على كتابته المُنتصرون، أما المغلوبون المقهورون والموتى فليس لهم باعٌ يُذكر فيه، حيث يبدو أن كثيراً من صفحات تاريخ الشعوب تم طمسُها أو تزويرها أو المبالغة فيها، والحقيقة -إذا صحّ وصفها بهذا الوصف- تعبّر بصورةٍ عامة عن وجهةِ نظر كاتبها، والله أعلم بها، كما أن المُبالغة طالت كثيراً من شخصيات التاريخ الأُسطورية بفعل مُخيّلة الجماهيـر، وتداول الأخبار بحسْب رؤية ناقليها دون تثبّت.

* من الواضح للمطّلع أن هدير التاريخ وجريانه لا يُمكن إيقافه، فهو -كما فهمتُ من المؤرّخ ابن خلدون- يجري بحسب سننٍ كونية اجتماعية ثابتة لا مناص من تكرارها ودورانها وانتقالها من انخفاضٍ وعلو، وعزّ وذُلّ، ومع ذلك، يفشلُ الإنسان -عادةً- في التعلّم منه، فهو يحبُّ أن يُجرّب بنفسه!! وفي هذا يقول الدكتور طه حسين أستاذ الأدب العربي: «التاريخ سخيفٌ لا خير فيه إن كان يُعيد نفسه، لأنّ ذلك يدلُّ على أنه لم يستطِع للناس وعظاً ولا إصلاحاً».

* تاريخ الحضارة -في مُجمله- صراعٌ بين الحقّ والقوة، أما اجتماعهما فلم يكن سوى ومضات سريعة في أحيان نادرة وعقود معدودة، خلال قرون طويلة يغلب عليها الظُّلم والقهر وسفك الدماء، وتحيّز كثير من الرواة إلى مصالـح السّلطة وأصحاب الرُّتب والمقامات.

* يقول المؤرّخ والطبيب الفرنسي غوستاف لوبان: «يجب اعتبار كتب التاريخ من الخيال الخالص، فهي عبارة عن حكايات وهمية لوحظت بشكلٍ رديء، تُرافقها تفسيراتٌ تشكّلت بعد وقوعها».

* وتعقيباً على قولٍ يُنسَب للدكتور أمين السّعدني، أستاذ الفلسفة السياسية: «كيف نثق بالتاريخ، إذا كان الحاضر يتم تزويره أمام أعيننا»، أتساءل: هل يا تُرى سيتجاوز التاريخ في العقود القادمة أخطاء النّقل والتدوين وشبهة التزوير الفجّ التي لوّثته؟! وهل سيُسهم الإعلام الحديث بوسائله ومحرّكات بحثه المتعددة، ورصده وتدوينه الأحداث في ملفّات اليكترونية دقيقةٍ دائمة، في إظهار جميع وجهات النظر وآراء الشعوب، ومحاولة منع تزوير التاريخ والأحداث الحالية والقادمة؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store