Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الكاتب وصخب المغادرة

A A
أعود لكم اليوم بعد توقف قصير؛ لأُبحر وإياكم عبر مداد الكلمة الصادقة، ميممينَ وجهتَنا صوب الغايات النبيلة؛ خدمةً للمواطن ومطالبه، وارتقاءً بفكره وذائقته، ومشاركةً للوطن طموحاته وآماله. لعل من المسائل التي بدأت تظهر مؤخرًا على سطح المشهد الإعلامي بصورة لافتة للانتباه مسألة ترك الكاتبِ الكتابةَ عبر الصحف الرسمية، وهي المسألة التي لم تكن إلى وقت قريب تسترعي الانتباه، أو تستدعي الجدل حولها، غير أن بعضًا من الكُتاب ممن مكثوا عَقدًا أو عقودًا وهم سادة المشهد على صفحات صحفهم نراهم حينما قرروا ترك الكتابة عبر صحفهم الرسمية لم يغادروها بهدوء، خاصة وأنهم هم من قرر المغادرة ولم تَفرِضها عليهم صحفهم أو أي جهة أخرى، فنراهم عمدوا إلى إثارة نقع (الأنا)، والإشارة للوضع الذي تعيشه صحفهم من حيث التوزيع والمقروئية، وحجم التفاعل مع مقالاتهم من قِبَل القراء بشيء من السخرية. نتفق بدءًا على أن الصحف (في نسختها الورقية) فقدت شيئاً من بريقها وقرائها؛ بسبب مزاحمة الوسائل الحديثة لها، واستغناء البعض بهذه الوسائل، ونتفق على أن المؤسسات الصحفية كان ينبغي لها أن تتحرك منذ زمن لاتخاذ الخطوات التطويرية والاحترازية التي تواكب المستجدات التقنية الحديثة بما يضمن لها بقاءها على الساحة، لكننا لا نتفق مع الطريقة التي ودع بها هؤلاء الكُتاب المغادرون صحفهم حينما أظهروا سخريتهم وعلا صخبهم -مع أنهم اختاروا المغادرة طوعًا- فكان ينبغي عليهم أن يحفظوا لصحفهم جميلها معهم؛ كونها كانت لبعضهم مصدر رزق، وكانت جسر عبور وانتشار لأفكارهم، وأكسبت شخصياتهم مكانة اجتماعية ما كانوا ليصلوا إليها لولا استيعاب الصحف لكتاباتهم. تعلُّل المغادرين بأن قراءهم تناقصوا، وأن الردود عليهم عبر مواقع صحفهم أصبحت قليلة، وأن وضع الصحف الورقية أصبح لا يشجع على البقاء، هذه حُجج ليس لها كبير وجاهة، خصوصًا وأن القراء ليس شرطًا أن يقرؤوا المقال في الصحيفة الورقية أو عبر الموقع الإلكتروني مباشرة؛ حيث بإمكانهم قراءته عبر حساب الكاتب وغيره على تويتر أو فيس بوك أو عبر صحف إلكترونية تقوم بإعادة نشر المقال وكل ذلك عبر رابط المقال في الصحيفة الأم، وبالمثل تكون الردود والتعقيبات أيضًا عبر هذه النوافذ، ثم إن البعض يصر عمدًا على حصر الصحف الرسمية في نسختها (الورقية) فقط، متجاهلاً أن لها مواقع إلكترونية متقدمة، تتابع الحدث لحظة بلحظة، وتُخرج العدد اليومي لمحبيه في صيغة (PDF) في صورة زاهية، وهذا لا يعني أنها بلغت نهاية الاجتهاد وذروة المأمول، بل هي مطالبة بأكثر من ذلك تطويرًا واستثمارًا وإبداعًا واستفادة من عطايا التقنية الحديثة. ما لا يدركه المغادرون أن جيلاً جديدًا يقف على بوابة الانتظار ليأخذ فرصته على صفحات الصحف الرسمية، ولَكُم أن تقرؤوا ما تزخر به (صفحات القراء) في الصحف من مواهب إبداعية تستحق أن تكون هي في الواجهة. ثم إنني لا أدري كيف غاب عن هؤلاء المغادرِين أن الكتابة هي في الأصل رسالة ذات قيمة وهدف سامٍ، وصاحب الرسالة والهدف السامي لا أظنه يجعل كَمَّ القراء وسقف المكافأة ومساحة الشهرة هدفًا أوليًّا وشرطًا أساسيًّا لاستمراريته؛ فالمُفتَرَض أن يكتب وفق مبادئ لا ترتهن للمحفزات، ولا بأس في البحث بعد هذه المبادئ عن تلك المحفزات المالية والمعنوية -متى كان بمقدور الصحيفة توفيرها- كونها حقًّا مشروعًا له. وهنا تحضرني تجربة زميل كان يكتب في إحدى الصحف، ثم توقف لسبب يخصه، ثم عاد، وعندما باركتُ له عودته ذكر أن انقطاعه كان غلطة، مؤكدًا أن الغياب سلبية، والمثقف ضد السلبية. وهذا لا يعني أنني وغيري لن نغادر، إنما يعني أنه حريٌّ بنا متى غادرنا (باختيارنا) ألا ننقلب على الصحف التي احتوتنا وأبرزتنا (ولم تدفعنا للمغادرة) وإنما كانت برغبتنا واختيارنا، حريٌّ بنا ألا نبرر مغادرتنا لها -ومن خلال آخر مقال على صفحاتها- بأنها لم تعد تؤكِّل عيشًا ولا تجلب شهرة؛ حفظًا للود على الأقل.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store