Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

حقيقة العداء بين إيران وأمريكا: آن أوان التساؤل على الأقل!

A A
في ألف باء العلاقات الدولية أنه ليس هناك عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، وإنما الموجود هو مصالح دائمة بين الدول.. لكن ثمة مفارقة عملية غريبة تجعل المرء يحاول تفسير تلك القاعدة بشكلٍ مختلف عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الإيرانية الأمريكية.. فعلى مدى العامين الماضيين على الأقل، يبدو أننا بصدد ضجيجٍ دائم يتعلق بالعداوة الدائمة، وهذا يترافق بشكلٍ لصيقٍ ومتكرر بنفيِ وجود أي مصالح دائمة بين البلدين! بالمقابل، لا توجد، إعلانياً، أيُّ إشارةٍ لوجود صداقة دائمة أيضاً! فما القصة هنا؟

باختصار، إن غابت المصالح كلياً بين دولتين، وغابت معها، أيضاً كلياً، الصداقة بينهما من قريبٍ أو بعيد.. وكان المُعلنُ دائماً، فوقَ هذا، حضورَ العداوة المستمرة بينهما، فإن النتيجة العملية لهذه المعادلة يجب أن تكون شيئاً آخر... خاصةً مع وجود الإدارة الأمريكية الحالية.

يعرفُ العالم بأسره أن أمريكا قضت على أكبر خطرٍ (جيوبوليتيكي) يواجه إيران في تاريخها بالقضاء على نظام صدام حسين، ثم إنها لم تكتفِ بذلك، وإنما قدَّمت العراق لإيران على طبقٍ من فضة.

يقولون لنا إن هذا حصل خلال حكم إدارات أمريكية سابقة.. حسناً.. لكنه حصلَ على كل حال، وهو ما منح إيران فضاءَ قوةٍ استراتيجي جغرافي وسياسي وديمغرافي واقتصادي وعسكري يندرُ أن تحصلَ عليه دولةٌ من دولةٍ أخرى في هذا العالم، وربما في التاريخ، سيما وأن الأولى تُسمي الثانية منذ أربعة عقود بـ(الشيطان الأكبر)!؟

من هنا، وحين توجد منذ سنتين ونصف إدارةٌ أمريكية قالت، وتقول دوماً، أنها جديةٌ في تصحيح المعادلة المذكورة أعلاه، فإن المرء ينتظر تعبيراً عملياً عن ذلك التصحيح.

وتزداد التوقعات حين تقوم إيران على مدى الأسابيع الماضية بممارسات أقل ما توصفُ بأنها استفزازيةٌ مقصودة يظهر منها جلياً تأكيد حضورها التخريبي والتوسعي في أكثر من مجال، وعلى مستوى المنطقة بأسرها! رغم هذا، ماذا يكون الرد الأمريكي العملي؟ أمران لا ثالث لهما: تصريحاتٌ إعلامية (غاضبة)، واستعراضٌ عسكريٌ للقوة في المنطقة!

لكن ثالثة الأثافي، كما يقولون، جاءت مع إسقاط إيران لطائرة الاستطلاع الأمريكية منذ يومين. فبعدها، توقع غالبيةُ المراقبين أن الرد الأمريكي قادمٌ لا محالة.. ولا أعتقد أن التاريخ المعاصر شهدَ أصلاً مثل هذه العملية ضد أمريكا، وربما أقلَّ منها، في أي مكانٍ في العالم، دون أن يكون هناك ردٌ، وأحياناً ردٌ حاسمٌ، تجاهها!

لكن ما حصلَ يكاد يكون مذهلاً في طبيعته.. فبعد بضعة (تصريحات) غاضبة، كالعادة.. تبخّرت سيناريوهات الرد في الهواء.. ليس هذا فقط، بل إن هناك ما سنُسميه (رابعة الأثافي): عند سؤال الرئيس الأمريكي عن خطورة الضربة، لم يُهوّن فقط من شأنها، بل وإنه عملياً (برأ) القيادة الإيرانية منها، قائلاً بكل صراحة أنها قد «تكون خطأً ارتكبه ضابطٌ غير مسؤول في الجيش الإيراني»!؟

وأعتقد أنني لم أسمع تعليقاً مُعبّراً أكثر مما قالته، مارا لياسون /‏ Mara Liasson، المُحلِّلة السياسية في الإذاعة الوطنية الأمريكية NPR صباح الجمعة تعليقاً على القصة، حين قالت: إن السفاهة في المسألة وصلت إلى درجة أن الرئيس الأمريكي حاول أن يعطي القيادة الإيرانية (مخرجاً) من الموضوع، لكن تلك القيادة وصلت إلى درجة من القناعة، من خلال الممارسات الأمريكية، بإمكانية استهزائها بذلك المخرج وتأكيدِها بأن الضربة كانت قراراً إيرانياً رسمياً اتُّخذ على أعلى المستويات!

رغم كل هذا، وفوقه، أوقف الرئيس قراراً بضربةٍ أمريكية رداً على الهجوم الإيراني قبل عشر دقائق من حصوله حسبما أكدت وسائل الإعلام الأمريكية؟

السياسة سوقٌ وسيركٌ وغابة، كما يقول أحد الكتاب.. لكن من الواضح أنها يمكن أن تكون أكثر وأسوأ من ذلك فيما يبدو.. ولا أملك من هنا إلا تكرار مقولةٍ ذكرتُها سابقاً.

فمنذ عقود، لخص الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، المعروف بصراحته، رأيه في السياسة بهذه العبارة: «من المفترض في السياسة أن تكون ثاني أقدم مهنة في العالم، ولكنني أدركتُ مع الوقت أن هناك شبهاً كبيراً بينها وبين أقدم مهنة»..

ما هي حقيقة (العداء) بين إيران وأمريكا؟ لقد آن أوان التساؤل بجديةٍ، على الأقل، حول هذه المقولة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store