Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

لمن تكتُب؟ للقارئ المجهول (١)

A A
منذ سنوات، سُئِل الصديق ياسين الحاج صالح، من قِبل أحد قُرّائِه، السؤال الوارد في الجزء الأول من العنوان أعلاه. كان السببُ في ذلك مثابرة الحاج صالح وإصرارهُ على الكتابة المستمرة، بشكلٍ منهجيٍ وعلمي يتطلبُ الجهد، منذ ثلاثة وعشرين عاماً. ستبدو المفارقة في السؤال أكثرَ وضوحاً إذا علمنا أن هذه الممارسة بدأت بعد أن قضى الرجل ستة عشر عاماً في السجن ظلماً بسبب آرائه السياسية في سوريا..

المهم، أذكر أن إجابة ياسين على السؤال كانت تلك الواردة في الجزء الثاني من العنوان أعلاه أيضاً. وإن كانت ذاكرتي دقيقةً فقد أضاف إلى الإجابة كلمة «الجوهرة»: «أكتبُ للقارئ المجهول الجوهرة»!..

هاجمتني هذه القصة وأنا أعيش خلال الأسابيع القليلة الماضية حواراً مع قارئٍ (مجهول)، أصبح صديقاً، لم أكن أعرفه من قبل على الإطلاق. لكن الرجل (المثقف والمهندس في أحد التخصصات النادرة) كان، مشكوراً، يُتابع كتاباتي منذ زمنٍ، من أقاصي الدنيا، من كندا! وأحسب أنه كان يرى فيها إضافةً ما، دون أن أسمع منه أو عنه شيئاً قبل ذلك.

مرةً أخرى، أعود للتذكير بمساحة الحرية التي توفرها لي هذه الصحيفة في أكثر من مجال، ومنها عدمُ الالتزام الصارم بتقاليدَ تاريخية في الكتابة والنشر يَحسبُها البعض منزلَّةً من السماء..

وعليه، سأورد في جزءين أو ثلاثة مقتطفات من المراسلات التي تمّت بيننا، دون ذكر الاسم طبعاً للحفاظ على الخصوصية، مع تأكيد استئذاني من الرجل لكتابة المقال أصلاً. وأنا أقوم بهذا لتوفُّرِ عامِلين. أولاً، ثمة فيما سأنقلهُ أفكارٌ تتعلق بكل ما أنشره على هذه الصفحة، ما يعني إمكانية دخوله في سياق تلك الأفكار، وربما بدرجةٍ متقدمة من الصراحة والشفافية.. ثانياً، أن الكلام ليس منشوراً في أي منبرٍ عام. ولكن، لأمانة النقل، أستميح الصحيفة والقراء في نقل المقتطفات كما هي (بتصرفٍ بسيط جداً)، بما تحتوي عليه من بعض كلامٍ باللغة العامية.

منذ قرابة أربعة أسابيع، وردتني على (الماسنجر) الرسالة التالية» «السلام عليكم سيد وائل، أنا بس أحببت اتشكرك على كتاباتك.. (وصفُ الكتابات إيجابيٌ وفيه مبالغة). اسمي (فُلان الفلاني)، عم ابعتلك من كندا. طروحاتك جميلة جداً وبتحط الإيد على الوجع. هل يوجد نية للدخول في تفاصيل أكثر؟ أنا من الناس يلي lost faith (فقدتُ الإيمان) بكلشي فكر إسلامي. وفقدت الأمل للأسف من بعد بحث سنين للمحاولة على إيجاد أجوبة منطقية لمواضيع كثيرة مؤلمة لي مثل الرق بالإسلام ومُلك اليمين وشرب البول وإرضاع الكبير ووو.. اعتقدت أني وجدت نفسي مرات عديدة بالقراءة لمفكرين مثل شحرور وعدنان إبراهيم وعدنان الرفاعي.. ولكن مالبثت أن وقعتُ بحيرةٍ أكبر كلما تعمقت في أبحاثهم. فمثلاً، مع المنطق الواضح لكثيرٍ مما يقوله الشحرور في تفسير القرآن، فإن الاحتمالين الوحيدين ليكون كلامه صحيحاً هو أنه إما أن الرسول وصحابته جميعاً لم يدركوا هذه الأحكام وقتَها ولم يُصحح الله إدراكهم!!، أو أن تاريخنا كله مكذوبٌ برمّته ولا يوجد لا ملك يمين، ولا تعدد زوجات من غير أيتام، ولاسبي. والاحتمالان غير منطقيين. آسف على الإطالة، وأشكرك مرة أخرى على طروحاتك المحاكية للعقل، مع أمل أن تكون تحضيراً للدخول في تفاصيل أكثر».

كانت تلك رسالته الأولى كاملة، وسأورد ردي عليها هنا بشيءٍ من الاختصار لطولها:

«سلامات عزيزي... أتفهم كلامك ومشاعرك. ويُهمُّني جداً أن أؤكد لك، الآن وإذا استمررنا في التواصل، وأرجو ذلك، أنني لا ولن أهدف إلى إقناعك بـ(العودة إلى الإيمان) بالطريقة التقليدية السائدة.. أنت باحثٌ عن الحق والحقيقة. وبالنسبة لي، ولا أتحدث نيابةً عن الله.. أنت (مؤمن) بمعنىً من آلاف المعاني الممكنة للكلمة مادُمتَ على هذا الطريق.. الموضوع (أو لنقل المشكلة) أكبرُ من الاحتمالين اللذين ذكرتَهُما، وأكبر من طروحات شحرور وإبراهيم وغيرهم، مع احترامي لجهودهم التي تُعرّي فضيحتنا الكبيرة، وتجعلُنا في مواجهةٍ مباشرةٍ معها، لا أقصد بكلمة (المشكلة أكبر) أن الدين مُعقدٌ للغاية.. فأيُّ شيءٍ بتلك الصفة لا يستحق أن يكون ديناً أصلاً.. ما أقصده أن هناك مشاكل جذرية كبرى بدأت تتكون وتظهر بذورها مبكراً جداً، يطول الكلام فيها هنا، ولكنها خلقت تدريجياً (إسلاماً) باتت علاقتهُ فوضويةً ورَجعيةً وباهتة جداً بمعناه ومُرادِهِ الأصيل..

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store