Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

مظلة ترامب وعمامة خامنئي!

A A
أيهما أكثر خطراً على الاقليم، إيران التي تسعى لامتلاك قدرات نووية، أم إيران التي تتوسع بتطويق الإقليم عبر إقامة مناطق للنفوذ؟!..

باراك أوباما الرئيس الأمريكي السابق، أجاب عن هذا السؤال، معتبراً أن إيران النووية أخطر على السلام العالمي من إيران التي تنتشر وتتوسع وتؤثر في الإقليم، وترجم ذلك عملياً باتفاق نووي حمل عنوان خطة العمل المشترك، وتوقيعات ٥+١ هم الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن الى جانب ألمانيا.

كنت قد لخصت آنذاك (قبل خمسة أعوام) مفاوضات (٥+١ ) تحت عنوان: « الدور أم القنبلة»..لم يكن المفاوضون لطهران يريدون لها أن تمتلك خيار امتلاك قدرات نووية، وكانوا لا يمانعون في المقابل، بإعطائها بعض الدور الإقليمي، ما أثار مخاوف واسعة في الإقليم، لدى اسرائيل وأغلب دول الخليج بصفة خاصة، سعت واشنطن لاحقاً لتهدئة تلك المخاوف، لكن الانتشار الايراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن، لم يدع أي مجال لتهدئة المخاوف، وهو ما حفز إدارة ترامب على الانسحاب من الاتفاق والضغط من أجل شروط جديدة، استهدفت تقليص الحضور الايراني في سوريا ولبنان والعراق واليمن، من جهة، و الحد من القدرات الصاروخية الإيرانية من جهة ثانية، و تمديد أجل الاتفاق النووي الذي كان يسمح لطهران بالتحرر من قيود الاتفاق بشأن تخصيب اليورانيوم، أو استخدام البلوتونيوم لمدة خمس عشرة عاماً تنتهي بنهاية عام ٢٠٣٠، لتستمر القيود حتى عام ٢٠٤٥.

الجوانب التي تم تطبيقها بموجب هذا الاتفاق، تعطل قدرة ايران على امتلاك رادع نووي قبل بضع سنوات، لكن ما يضغط ترامب من أجل تحقيقه، هو تعطيل قدرة إيران على امتلاك قدرات نووية لخمس وعشرين سنة أخرى.

خضوع ايران للضغوط بشأن برنامجها النووي، قد يحقق مصلحة أمريكية مباشرة، لكنه لا يعيد الطمأنينة الغائبة الى جيران ايران في الإقليم، فقدرات إيران الصاروخية تهدد الجوار، وحضورها الاقليمي عبر جماعات موالية لها (حزب الله والحوثيين ) بات هاجساً يؤرق الإقليم كله.

أهداف واشنطن من الضغط على ايران لا تتطابق بالضرورة مع احتياجات حلفائها في الإقليم، وسياستها تجاه طهران، قد تتغير اذا ما حصلت على تنازلات إيرانية في الملف النووي وحده دون غيره، أو حتى إذا ما اخفق الجمهوريون في الحصول على فترة رئاسية ثانية، ولهذا فقد يتعين على دول المنطقة الاستعداد مبكراً لاستحقاقات طور جديد من التنافس الإقليمي، يلح بضغوطه على المنطقة برمتها.

أكثر ما ينبغي التحسب له والتفكير فيه، هو مستقبل الأمن في الاقليم، اذا ما طوت واشنطن مظلتها اختياراً أو اضطراراً في سنوات مقبلة، وأكثر ما ينبغي التعويل عليه كضمان للأمن والاستقرار في الإقليم، هو بناء نظام أمني شرق أوسطي يستند الى نظرية توازن القوى، وتعظيم المصالح البينية بهدف تحقيق الحد الأقصى من الاستقرار الممكن.

أتصور، أن النخب السياسية في المنطقة التي تشمل كافة دول الشرق الأوسط من باكستان وتركيا وإيران واسرائيل وسائر دول مجلس التعاون الخليجي بالاضافة الى سوريا ولبنان والأردن والعراق واليمن ومصر، مطالبة بالعمل من أجل إنجاز تصورات مستقبلية لعلاقات سلام وتعاون بين كافة دول الإقليم، تنطلق أولاً من نبذ الحرب والتعهد بعدم التهديد بها، وكذلك من الالتزام بعدم التدخل في شؤون الدول المنخرطة في تلك الرابطة الشرق أوسطية، الى جانب اتفاقات للحد من سباق التسلّح بين الدول المعنية، وتأسيس آلية للرقابة على التسلّح، ووضع مدونة سلوك ملزمة لأطرافها بتجنب كل ما من شأنه تعكير صفو الأمن في المنطقة.

يستحق السلام والاستقرار الاقليمي، جهداً حقيقياً من أجل بلوغه ووضع أسس استدامته، ولا أظن أن الولايات المتحدة التي ألمحت مراراً، بالقول أو بالسلوك السياسي، إلى رغبتها في التخفف من مسؤولياتها الأمنية تجاه الإقليم، سوف تمانع في دعم هذا التصور، بأدوات السياسة والدبلوماسية والتجارة والاقتصاد.

الجوار الجغرافي، قدر لا يمكن دفعه ولا تغييره، وإنما ينبغي دائماً تطوير سبل التعايش السلمي مع حقائقه، سواء اختارت واشنطن طَي مظلتها أو الإبقاء عليها مفتوحة، وسواء خلعت طهران عمامتها، أو أبقت عليها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store