Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

خبر «غير عاجل»!

A A
من المُلاحظ أنّ وسائل الاتصال الحديثة والثّورة الهائلة في نوعيةِ وسرعةِ التواصل الإنساني، أجبرتْ كثيراً من النّاس على التعرّض المُفرط للأخبار العاجلة، بغضّ النظر عن حقيقةِ تسميتِها بذلك، وشجّعت مواقع الأخبار والمُنوّعات على اجتياح مناطق الرّاحة الشّخصية واستمراءِ اقتحام الخُصوصية الفردية من دون استئذان، فمع سهولةِ استخدام «الإنترنت» والهواتف الذكية، وانتشارِ هاجس وسائل التواصل الاجتماعي، وتتبع المواقع والتطبيقات المُختلفة، صار من المُمكن مواكبةُ كلّ صغيرةٍ وكبيرة تحدثُ في العالم، بغضّ النظر عن ضرورةِ الاطلاع عليها.

ونتيجةً لتلك الهجْمات المُتتالية من العواجلِ والأحداث، يتعرّض الجهاز العصبي للإنسان إلى ضُغوطاتٍ شديدة غير مسبوقةٍ تاريخياً، فالإنسان بفطرته السّوية ووظائفه الحيوية وقدْرته النفسية، غيرُ مهيأ للإيقاعِ السّريع والنّمط المُتداخل وصدى الضجيج والصّخب، وكمِّ الارتباطات الاجتماعية والعمَلية للحياةِ العصرية الحديثة، فكان من المُتوقّع أن يدفعَ الإنسانُ مقابل ذلك ثمناً باهظاً من صحّته البدنية والعقلية تظهرُ على هيئة اضطرابات نومٍ ومزاج وقلق، فضلاً عن أمراض عضويةٍ خطيرة، فالخوف من عدم مُتابعة الأحداث، والحاجة للبقاء على علمٍ واطلاعٍ على كلّ جديد، والوقوع في فخّ المُقارنة غير المنطقية بالآخرين، إضافة إلى الشّعور بالنشوة من مراقبةِ أعداد «اللايك» و»الفولو» و»الريتويت» و»الشير»، كلّها تعزّز المزاج بجرعاتٍ مؤقتة من «الدوبامين»، لكنها تؤدّي في غالب الأحيان إلـى الإحباطِ والإدمان السُّلوكي.

من المُثير معرفة أن نظريّة «سافانا» للسّعادةِ النفسية، تُشير إلى أنّ الإنسان يميلُ بفطرتِه إلى الحياة البِدائية لأسلافه، حيثُ الهدوءُ والعُزلةُ وقلّة الاختلاط بعددٍ كبيرٍ من الناس، بعيداً عن الصّخب والتوتّر العَصبي، كما أرى أن الإنسانَ حيوانٌ اجتماعي بحدود مصلحته الشّخصية واحتياجاته الغريزية فحسْب، أما في غير ذلك فهو يميلُ للعيش بصورةٍ مُنعزلة بعيداً عن التعامل غير المبرّر مع الناس، ولعلّ هذا يُفسّر ميل كثيرٍ من الحُكماء والأسْوياء نفسياً وفكرياً إلى العزلة الاجتماعية، والاكتفاء بحاجاتهم المُتواضعة.

يبدو أنّ الحياةَ الرتيبة بإيقاعها البطيء فـي أحيان كثيرةٍ، ضروريّةٌ للهدوء والصفاء والسّعادة تجنّباً للاستثارة العالية، وتفادياً لتعويد النفس على الّلذة التي تفعل فِعْل المُخدِّر. يقول الفيلسوفُ والمُفكّر البريطاني برتراند راسل: «الحياةُ السّعيدة يجب أن تكونَ إلى حدّ كبير حياةً هادئة، لأن المَرح لا يُمكنُ أن يستمرّ إلا في جوّ من الهُدوء».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store