بساتين مكة المكرمة!!

في الوقت الذي أسكن نبي الله إبراهيم عليه السلام ذريته بمكة، قال تعالى في سورة إبراهيم، الآية (37): «رَبنَا إني أسكنتُ من ذريتي بوادٍ غيرِ ذي زرع عند بيتك المحرم»، المكان لا ماء فيه ولا حياة، حتى انتهي بها الله عز وجل إلى معجزة ماء زمزم، كان ذلك استجابة لدعائه عليه السلام، ومكة شرفها الله معروف عنها كثرة الشعاب والأودية التي تجري فيها السيول عند هطول الأمطار، أدى ذلك لكثرة الأماكن الخضراء ووجود الكثير من البساتين في المدينة المقدسة وخارجها، والتي كانت تمثل مصدراً مهماً للمنتجات الزراعية للعوائل المكية، ومن أمثلة تلك البساتين بستان الشريف في منطقة جرول والذي يقع في موقع حلقة الخضار سابقاً وبساتين الزاهر وبستان بن سليمان في التيسير وبستان العواجية في منطقة الحجون وغيرها من البساتين داخل المدينة، إضافة للبساتين التي تقع خارج المدينة المقدسة كبساتين الحسينية والعابدية والجموم وبساتين السيل الصغير والكبير وبساتين الزيمة والتي كانت تشتهر قديماً بإنتاج الفواكه وخاصةً الموز بحجمه الصغير. وشارع إبراهيم الخليل في حي المسفلة من الأماكن التي كانت تشتهر بكثرة بساتينها لوقوعها على مجرى الوادي قبل اتساع رقعة النطاق العمراني وكانت هذه البساتين إضافة الى كونها تمثل مصدر دخلٍ لبعض العوائل من بيع المنتجات الزراعية وأعلاف الماشية، إلا أنها تمثل مكاناً لسكان الحي يستظلون بفيئها وكانوا يختلفون إليها صيفاً هرباً من قسوة المناخ، ولازال في الذاكرة بعض من هذه البساتين. وكنا في أوقات كثيرة ونحن صغار نذهب إليها إما تلبيةً لطلب الوالد رحمه الله لشراء بعض أنواع الخضروات أو التمتع بالسباحة في أحواضها خاصة في أوقات الإجازات المدرسية، ومن تلك البساتين، بستان البخارية في بداية شارع إبراهيم الخليل وكان متنزهاً للعوائل وتقام فيه المناسبات، وبستان العم علي أبو طربوش وبه حوض كبير للسباحة بمقابل مادي بسيط، وبستان منصور الشنب وإخوانه وبه حوض السباحة الذي كنا نرتاده ونحن صغار، وبستان العم مصطفي الهيطلي والد كل من الأخ حامد والأستاذ منصور و الأستاذ عبدالله هيطلي، وبستان عم حزام أمام بيت الفارسي وكلها تقع في مكان حديقة المسفلة حالياً، وبستان العم بكر شرف في الناحية المواجهة، وبالنزول جنوباً، هناك بستان باخطمه وبستان الشيخ عبدالله الكعكي والذي يعرف بأرض الكديوي ويقع بعد منطقة النكاسة ثم بستان سليمان خياط وبستان السلولي وبستان فهد أبو حميدي وجميعها كانت تقع فيما يسمى بالشوقية جنوب حي المسفلة.
اتساع النطاق العمراني للمدينة المقدسة نتيجةً لكثرة عدد السكان والمشاريع الكبرى التي قامت بها حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين لخدمة ضيوف الرحمن كان من نتائجهما إزالة هذه المناطق الخضراء.