Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

تسريبات «دارويش» خدش في جدار العلاقة الأمريكية البريطانية

رؤية فكرية

A A
في رد لرئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي عن سؤال وجهته إليها إحدى المذيعات في قناة البي بي سي BBC، وذلك على خلفية الانتقاد الجارح الذي وجهه إليها في أكثر من مناسبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قالت ماي: إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية هي بين شعبين ودولتين وليس بين أشخاص. ويبدو أن هذا البعد كان وما زال غائبًا عن ذهنية وفهم الرئيس الأمريكي. ولقد بدرت من ترامب ما اعتبره بعض الساسة الإنجليز تدخّلاً أمريكيًا في الشأن البريطاني المحض، حيث عبّر ترامب مرّة للمسؤولين في حزب المحافظين عن رغبته في اختيار زعيم الحزب القومي البريطاني نياجل في أن يكون سفيرًا لبريطانيا في البيت الأبيض، ومن هنا بدأت المشكلة، حيث تمادى -من وجهة النظر البريطانية- في تدخّلاته، حيث عبّر عن سروره وفرحته إذا ما اختير بوريس جونسون رئيسًا لوزراء بريطانيا.. ويبدو أن شخصية ترامب تميل إلى الشخصيات الشعبوية البعيدة عن التقاليد الأصلية السياسية، وهذا ما فجّر الخلاف الأخير بين السفير البريطاني السير كيم دارويش ودونالد ترامب، وذلك بعد تصريحات كيم التي تسربت إلى الصحافة وخصوصًا في النيويورك تايمز، حيث وصف السياسة الأمريكية بما لا يليق في العرف الغربي، ولم ينتظر كيم كثيرًا حتى قدّم استقالته، مع أن رئيسة الوزراء (ماي) دعمت موقفه في مجلس العموم، وكذلك زعيم العمّال جيرمي كوربن.. أما جونسون فقد تصدّى للدفاع عن ترامب وسياساته وفريقه السياسي، ويبدو أن ما ذكره ترامب من عدم رغبته في رؤية السفير البريطاني، أو الاجتماع به شكّل زخمًا كبيرًا وتساؤلاً مدهشًا عن المسار الجديد الذي سوف يتخذه جونسون إذا ما تم ترشيحه زعيمًا لحزب المحافظين البريطاني؛ حيث ستكون العلاقة على شبه كبير من تلك العلاقة التي كانت قائمة بين رونالد ريغين ومارغريت تاتشر في مطلع الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، مع الاختلاف في السمات التي كان يتسم بها كل من ريغين وتاتشر، وذلك من حيث ما يسمى بـ»الكاريزما»، والإحاطة الشاملة بمجاري الأحداث. حيث وقف ريغين إلى جانب تاتشر في حرب الفوكلاند، ورد الجميل إليها ريغين عندما قامت تاتشر بضرب البلد العربي آنذاك ليبيا على خلفية الاتهام الأمريكي والغربي بأن الزعيم الليبي السابق معمّر القذّافي كان وراء تفجيرات جرَّت على ليبيا والبلاد العربية الكثير من النكبات، وشوّهت صورة الفرد العربي والمسلم في الذاكرة الغربية.

ولا بد من الإشارة إلى أن هذه العلاقة الثنائية قد تعرّضت كذلك لنكسة كبيرة إبان حرب السويس، ودفع رئيس الوزراء البريطاني الراحل أنتوني أيدن ثمنًا سياسيًا باهظًا وذلك بتقديم الاستقالة بعد أن وجّهت الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك بزعامة الرئيس الأمريكي المعروف آيزنهاور إنذارًا لكل من إسرائيل وبريطانيا وطلب منهما فورًا الانسحاب، وكانت تلك الحرب بداية لعصر أضحت فيه أمريكا هي القوّة العظمى في العالم، وانتحت بريطانيا جانبًا بعد أن رأت الآثار الاقتصادية السيئة على اقتصادها من خلال ما يعرف بالمضاربات في سوق البورصات، وفقد الجنيه الإسترليني كثيرًا من قيمته، ويبدو أن الزعيم الذي خلف إيدن في رئاسة الوزراء البريطانية، وهو هارولد ماكميلان أعاد ما خدش تلك العلاقة، وسار بعد ذلك محافظون وعمّال على التحدث بصوت منخفض ما استطاعوا أمام الصوت الأمريكي..

لقد صدقت ماي؛ مع أن الفضاء السياسي ليس فيه القطعية؛ بل هو يتعرض للاحتمالات والمتغيرات، في أن العلاقة بين البلدين الغربيين هي سياسة تعلو فوق تسريبات من هنا وهناك.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store