Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

أجواء حرب لكن الصحافة مأزومة

A A
لا تلوح في الأفق أية مقدمات لانفراج وشيك في الأزمة بين إيران وجيرانها، أو في الأزمة بينها وبين الولايات المتحدة، ما نراه حتى الآن هو اختبارات متبادلة للإرادات، وعمليات عض أصابع ينتظر أطرافها من منهم سيصرخ أولاً.

مستوى الاحتشاد بالقوة، يميل الى ترجيح خيارات التصعيد، وهو ما يحدث بالفعل حتى الآن، لكن مستويات التأثر أو التأثير تحت وطأة الاحتشاد بالقوة ما زالت بعيدة جداً عن إحداث تغيير ما خلال وقت قريب.

الأسابيع المقبلة قد تشهد استمرار إيران في التفكيك التدريجي للاتفاق النووي (٥+١) بالتخلص من القيود على كميات اليورانيوم المخصب بدرجة ٣،٦٪، أو بالتخلص من القيود على درجة التخصيب ذاتها للوصول الى مستوى تخصيب ٢٠٪، ما يجعل الطريق مفتوحاً أمام بلوغ نسبة ٩٠٪ اللازمة لإنتاج قنبلة نووية.

كلما امتد زمن العقوبات المشددة على طهران، كلما ازداد تأثرها بها، لكن امتداد الزمن ذاته قد يتيح لإيران الوقوف تماماً فوق العتبة النووية، ما يعني قدرتها على امتلاك رادع نووي خلال فترة ما بين عام واحد وثلاثة أعوام.

حرمان ايران من امتلاك سلاح نووي، قد يقتضي اندلاع حرب تستهدف منشآتها النووية، أو التوصل إلى صيغة ما لتخفيف العقوبات الاقتصادية عليها مقابل تمديد الاتفاق النووي الذي انسحب منه دونالد ترامب لعشر سنوات أو خمسة عشر عاماً أخرى.

الحرب قد تعني تحميل دول الجوار الإيراني توابعها العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فهي ليست نزهة حتى لو قادت بتداعياتها الى إسقاط النظام في طهران. أما تمديد الاتفاق النووي، فالمستفيد الأكبر منه هو الولايات المتحدة وشركاؤها في صيغة (٥+١)، بينما يتيح تمديد الاتفاق النووي أمام طهران فسحة للتمدد في الإقليم، والاستمرار في ابتزاز الجوار.

تستحق الأزمة اهتماماً أكبر من الصحافة والإعلام في الخليج، يتجاوز بكثير حدود الدعاية، ويقترب بوعي من منطقة تهيئة الرأي العام في الداخل لاستحقاقات صراع سيطول مع طهران. لكن الأزمة تشتعل، فيما تتعرض الصحافة لتهديد حقيقي بالتوقف عن الصدور، لأسباب بعضها تقني، وأغلبها مالي.

في زمن الحروب، لا تقل الصحافة أهمية عن الطائرات والدبابات والصواريخ، فهي سلاح رئيسي وفاعل في الحرب، سواء بدورها في بناء جبهة داخلية صلبة، أو في صيانة وحماية تلك الجبهة الداخلية ضد الاختراق، أو في التصدي لهجمات إعلامية مضادة.

تستحق الصحافة دعماً مباشراً باعتبارها خط دفاع أول عن الوطن، أبسط أهداف هذا الدعم هو المحافظة على البنية التحتية للصحافة الوطنية، أما أهم مكونات تلك البنية التحتية فهو الإنسان، سواء أكان صحافياً أو قارئاً للصحافة. كلاهما الصحافي والقارئ، له دور حيوي في صيانة الأمن القومي، لا يمكنهما أداءه على الوجه الأكمل إلا بدعم مباشر من الدولة

المسؤولة مباشرة عن حماية الأمن القومي.

يقول مسؤولو الصحف المتعثرة إن لمؤسساتهم مديونيات متراكمة لدى جهات حكومية لم تتمكن من الحصول عليها على مدى سنوات، وأنهم ألحوا مراراً في طلبها دون جدوى، وتتعثر بعض تلك الصحف حتى أنها تخفق في تسديد رواتب ومستحقات مالية للعاملين لديها.

توقف الصحف عن العمل لدواعٍ مالية، أو حتى عجزها عن تطوير محتواها ووسائل بثها، يعني أن رافداً مهماً من روافد الأمن الوطني قد تعطل أثناء معركة وجود يخوضها الوطن بكافة مكونات القوة عنده. أما إعادة ضخ الأموال المتعثرة في شرايين الصحافة التي أصابها التيبس، فيصبح في هذا السياق أولوية وطنية لا تحتمل الإرجاء.

المنطقة تعيش أجواء حرب قد تطول، ينبغي الاستعداد لها ببناء وتدعيم مرتكزات القوة الوطنية، وبينها الصحافة الوطنية وصحافيوها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store