Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الصحف.. المقروئية واللياقة الثقافية

A A
يظل الحديث عن الصحف حاضرًا في ظل الإغناء الذي أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي للقارئ، وهو ما جعله يتحول تدريجيًّا إلى تلك الوسائل، حيث تتوفر الخيارات الجيدة والمتعددة. في ظل هذا التحول إلى فضاء التواصل الاجتماعي يبرز لنا هذا التساؤل: هل تدنى عدد قراء الصحف؟ الإجابة تحتاج إلى تفصيل؛ فَقُرَّاء الصحف في نسختها (الورقية) لاشك أنه تدنى كثيرًا، لكن في المقابل يترجح الظن بأن عدد قرائها في نسختها (الإلكترونية) في ازدياد، بل يفوق بكثير عدد قرائها حتى في قمة مجدها الذهبي؛ وذلك لسهولة الوصول إليها، ومجانيتها، فحين النظر لعدد متابعِي الصحف في نسختها (الإلكترونية) من خلال حساباتها -في تويتر مثلاً- نجدهم بمئات الآلاف بل الملايين، وربما يطَّلع عليها الآلاف غيرهم، ثم إن الشبكة العنكبوتية جعلت الصحف تخرج عن إطارها الإقليمي الضيق لتطوف بالعالَم كلِّه، فمعظمها لم يكن يتجاوز انتشارُها -ورقيًّا- محيطَها الإقليمي، لكنها في نسختها الإلكترونية اليوم تخطت (جميعُها) الإقليميةَ وطافت أرجاء العالَم، ودخلت كلَّ بيت ووصلت كفَّ كل قارئ، وانتفى التمايز بينها في مسألة الانتشار. من هذا نعلم أن الصحف لم تفقد مقروئيتها بدلالة انتشارها الإلكتروني الذي فاق بكثير انتشارها الورقي، فكان بديلاً ناجحًا، وبدلالة مئات الآلاف بل الملايين من متابعيها عبر حساباتها، لكنها فقدت المداخيل المالية (وهي الأهم) نتيجة انصراف المعلنِين عن الإعلان فيها، كالمؤسسات الحكومية والشركات والأفراد، ونتيجة إحجام المشتركين عن الاشتراك فيها، وإحجام كثير من القراء عن شراء نسختها الورقية، وعدم وجود مداخيل بديلة. والحاصل أن الصحف كسبت الانتشار والمقروئية وفقدت المال الذي هو المحرك الرئيس لكل مفاصلها، وهو ما يوجب على إداراتها المسارعة بتغيير إستراتيجياتها، والعمل بجد على التحول الإلكتروني وتلبية متطلباته، والاستفادة من المتابعات المليونية لها. ضَعفُ المداخيل المالية هذا ألقى بظلاله على أقسام الصحف جميعها، وكان أكثرها تضررًا الأقسام الثقافية؛ فبعضها توفي، وبعضها في النزع الأخير، وبعضها لايزال يقاوم، وعليه فقد فقدت الأقسام الثقافية في أغلب الصحف لياقتها الثقافية، ولم يبقَ منها إلا قلة لاتزال تقدم مادة جيدة. في ظل هذا الضعف اللياقي الثقافي لمعظم الأقسام الثقافية يأتي سؤال مفاده: هل الضعف اللياقي الثقافي الحاصل في الصحافة الثقافية مردُّه إلى ركود المشهد الثقافي العام، أم هو نتيجة ضعف الصحافة الثقافية؟ الجواب شائك، لكن المؤشرات تقول إن كلا الطرفين يشتركان في هذا الضعف لكن بتفاوت؛

فالمشهد الثقافي خبا ضجيجه منذ نهاية الصراع بين الحداثة والصحوة، ومنذ توارت النخب عن المشهد الثقافي، حيث اكتفى بعضها بالفُرجة خوفًا من الوصم بالنخبوية، وبعضها ذاب في الموجة الشعبية الغالبة. أما الصحافة الثقافية فأراها حجر الزاوية والمحرك للمشهد الثقافي، لكن كيف يمكنها القيام بأدوارها في ظل أزمتها المالية؟ هنا يأتي الناقد سعد البازعي ليثير عبر حسابه في تويتر جدالات حول الصحافة الثقافية وحراكها الثقافي، لتأتي ردود الأفعال تجاهها متباينة، في الوقت نفسه يؤكد على سخونة المشهد الثقافي، ويطالب الصحافة الثقافية بالمبادرة بقوله «السخونة موجودة، إذا المقصود الإنتاج الأدبي والفكري، ومهمة الصحافة الثقافية هي تطوير قضايا بطرح ذلك الإنتاج وغيره للنقاش وليس انتظار الناس لكي يتصارعوا لتزدهر». جدالات البازعي هذه تأتي متساوقة مع دعوة الناقد محمد العباس الرامية إلى الاهتمام بالرأي الثقافي في الصحافة الثقافية، حيث يرى -في حسابه على تويتر- أن من أسوأ عيوبها «‏أن القائمين عليها غير مؤهلِين لكتابة مقالة رأي ثقافي» وقد تناوشت رأيه هذا وجهات نظر متباينة أيضًا.

الصحافة الثقافية بحاجة لوقفة جادة (من مشرفيها ومحرريها ومن المثقفِين وممن يعنيهم أمر صحافة الوطن عمومًا) تعيد لها لياقتها الثقافية وتعيد للمشهد الثقافي إثارته وسخونته بشكل أكبر، لكن تبقى مشكلة بعض المثقفين والصحفيين أنهم مشغولون بالتلاوم فيما بينهم على حساب البحث عن حلول، ولذا تجد بعضهم لا يُحبذ أيَّ ضوء يلوح ليُخرج الثقافة والصحافة من أزماتها، وهو الأمر الذي لا يحصل في عالم الرياضة، حيث يُرحب الجميع -مؤسساتٍ رياضيةً وكتابًا وجماهيرَ- بأي ضوء ينتشل الرياضة متى حصلت لها أزمة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store