Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عائشة عباس نتو

والدي وموسم الحج

A A
إن ما يخفف من واقع الإرهاق والتعب في العمل الذي نحياه لحظة ذكرى أيام الحجيج بمكة لحظة تكشف الروح فيها عن دفئها عن تلك الأيام يتمنى المرء فيه لو أن الزمان توقف. هذه اللحظة التي أحياناً لا أجرؤ فيها على أن أتنهد أو أحرك جفني حرصاً على انفلات جزء من لحظة عشتها مع والدي في أيام مواسم الحج حيث كان يختصر لقاءه مع حجاج بيت الله في جلسة كيمياء الروح وفيزياء الجسد وتميزه الدائم بأفكاره المتشبعة دائماً بأعلى درجات الحب والسلام بضيوف بيت الله لا يسألهم عن مذهبهم أو لونهم بل هم ضيوف الرحمن .

هذا الأسبوع ذهبت لزيارة مدينتي مكة أبحث في أماكن خدمنا الحجيج فيها وانفتحت أذهاننا على الثقافات والأكلات والملبوسات..

مكتي التي في خاطري التي يأتيها الناس من كل فج عميق.. في موسم الحج.. وصلت لمكة أبحث عن تلك الحوانيت القديمة.. عصيرات «الدوكي»، «حلويات «شهاب»..» الكعكي للصرافة».. أتأمل الأماكن أبحث عن دكان والدي في سوق الصغير مع أن القانون الأسري في ذلك الوقت لا يسمح للأنثى بمزاولة مهنة المال والأعمال فالآمال تبنى على الذكور وليس الإناث في قطاع التجارة..

هتان المطر يغسل القلب فتستيقظ ذكريات مواسم الحج الجميلة في مشاعري، وصورة والدي المكافح الذي يسعى في الأرض لتربية أبنائه يحاول أن يغرس بعضاً من مبادئه وما يؤمن به فلا وقت لترتيب انهيارات الروح.

لقد خطَّت يد والدي في حياتنا فناً جميلاً في أرقى تجلياته نحو معاني الحق والخير والجمال والمعرفة والتنوير بالثقافات الأخرى عن مخالطة حجاج بيت الله، حولها إلى سيمفونية فرح في حياتنا.. أستعيدها كالملهوفة ببراءة كفيلمٍ صامت دون مؤثرات صوتية. أتذوقها ولا أبتلعها..

داهمني المساء في بيت العائلة لكن والدي رحمه الله لم يكن موجوداً وبيتنا القديم غير موجود وسوق الصغير غير موجود، أتذكر دائما عندما تفقد الأمل وتعتقد أنها النهاية.. تأكد أنها مجرد منعطف وأنها ليست النهاية.

كنت أسرق نظرة إلى المكان كأنني أسرق رغيف الذكرى..!!.

في طريق العودة إلى جدة.. كنت أسمع صوت والدي يتحدث عن موسم الحج ومنافعه وكنت أبتسم بصمت لحكاياته، كانت كلماته تمر كسحابة فوقي وهواء مدينتي المكاوية يلج من الفتحات البسيطة في السيارة كأني أبحث عن البعد والهجر في المكان.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store