Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

صور مشرقة لعناية ولاة الأمر بالعلماء والرعية

رؤية فكرية

A A
كنت قد أشرت في مقالتي السابقة والموسومة «بابا يعقوب.. وسطر جديد من عناية القيادة الرشيدة بالأدباء»، إلى صنيع معالي السيد إياد مدني وزير الثقافة الأسبق، حيال حالة الصحفي القدير والشاعر والأديب عبدالغني قستي، رحمه الله، وأوردت في سياق الحديث عن قيام السيد إياد مدني بالإيعاز لمن يثق بهم بشراء دار خاصة تحتضن الأديب القستي في أخريات حياته. وقد تلقيت على إثر نشر المقال اتصالاً من معالي السيد إياد مدني، صحح لي فيه معلومة أن من قام بشراء المنزل الذي ضم الأديب وعائلته هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله تعالى- وهذا يعمّق ما ذهبت إليه المقالة في إجمال رؤيتها بإيراد نماذج وصور لقيادتنا الرشيدة في عنايتها الفائقة بالأدباء والمثقفين والمفكرين، ورعايا هذا الوطن المعطاء، وسعيها الدؤوب نحو حفظ كرامتهم، وتلمّس احتياجاتهم بما يحفّزهم على الإبداع بعيدًا عن الانصراف لمكابدة الحياة وما يقتضي ذلك من جهد وعناء.

وقد أخبرتني السيدة دلال ضياء أنه بعد وفاة والدها الأستاذ الكبير عزيز ضياء -رحمه الله- قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- بزيارة مواساة لوالدتها وأبناء المرحوم، مما كان له الأثر الإيجابي على نفوسهم، والتخفيف من مصابهم بفقد والدهم.

وفي رواية نثبتها هنا للتاريخ، وقد رواها على مسمعي الشيخ عبدالعزيز بن ناصر التركي -رحمه الله-، أحد شخصيات المدينة المنوّرة المعروفة، ومفادها أن الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- في حقبة السبعينيات الهجرية، كان في زيارة لمثوى سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومسجده الطاهر، وأمَّ جموع المصلين في يوم الجمعة، فعلم بأن الشيخ محمّد بن علي التركي -رحمه الله-، أحد علماء المدينة، ومن كبار الزاهدين والعابدين، حبيس داره بسبب مرضه، فطلب الملك سعود -رحمه الله- من الشيخ عبدالرحمن الشبيلي، السفير المعروف، أن يذهب برفقة صهره الشيخ عبدالعزيز التركي لإبلاغ سلام وتحية ولي الأمر إلى الشيخ محمد التركي، وأن يعرضا عليه رغبة الملك سعود في نقله إلى خارج المملكة للعلاج، فلمّا ذهب الرجلان الكريمان إليه في بيته، الذي كان يقوم في زقاق الطوال، بالقرب من قبر والد النبي صلّى الله عليه وسلّم، عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، والذي توفي قبل البعثة عند أخواله بني النجّار، ودفن في ما يعرف باسم دار النابغة، قدّر لولي الأمر مكرمته، ولكنه اعتذر عن السفر خارج المدينة، لشدة تعلّقه بها، وخصوصًا أنه كان يُلقي درسًا مباركًا في مؤخرة سواري البناء القديم للمسجد النبوي الطاهر. وكان مقرئه من أهل المدينة المنوّرة؛ وهو الشيخ الحافظ محمّد منصور عمر -رحمه الله-، وكان الملك سعود يتابع حالة الشيخ حتى وافاه الأجل في عام 1380هـ، وخرجت أفواج من الناس في يوم جمعة مباركة تودعه الثرى بجانب قبر أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان، رضي الله عنه، والذي يقع فيما يعرف من أرض البقيع بـ»حش كوكب».

كما حدّثني معالي السيد أحمد زكي يماني أن الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله -، علم بأنّ أحد المواطنين من ذوي الحال الدنيوي المستور، قد تعرّض لمرض في القلب، فاتصل بالدكتور فضل الرحمن شيخ -رحمه الله- والذي كان يعمل مستشارًا بالديوان الملكي، ليعرض عليه حالة المريض، فأشار الدكتور شيخ إلى ضرورة علاجه خارج المملكة، وظلّ -كما يذكر السيد يماني- يتابع حالته وهو في خارج البلاد.. كما سمعت شخصيًا من معالي المستشار الفريق صالح بن طه خصيفان -رحمه الله- في جلسة اجتماعية خاصّة بأن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، سأله عن البقية من رجال مكّة المكرمة، مثنيًا على الشيخ عبدالرحمن فقيه وجهوده، ثم أردف -أي الملك فهد- بأنه يتذكر واحدًا من زملائه أثناء دراسته الأولى بمكّة المكرمة؛ وهو الشيخ عبدالله هرساني، والذي كان يعدّ من رجالات حيّ القرارة، القريب من المسجد الحرام، فطلب الملك فهد من المرحوم الخصيفان أن يسأل عن أحوال أسرة الشيخ الهرساني، وتابع هذا الأمر الإنسان الخصيفان وأخبر ولي الأمر بأن أسرته بخير.

وإذا كنت قد استشهدت -صادقًا إن شاء الله- بهذه الروايات الشفوية، فإنما أوردتُ ذلك تدليلاً على عمق العلاقة الإنسانية بين ولاة الأمر والمواطنين، وما مواقف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله- التي أوردتُ بعضاً منها في مقال الأسبوع الماضي الّا نموذجٌ مضيءٌ من منظومة العطاء الإنساني المتدفِّق الذي دأبت القيادة الرشيدة على تقديمه بحُبٍّ إلى رعيتها -علماء وأدباء ومواطنين بسطاء-، فبادلتْها الرعيةُ حُباً بحُبٍّ ووفاءً بوفاء.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store