Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

فريضة الإحرام في بلد السلام

A A
استجابة لهديه تعالى في الآية الكريمةً: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾، فقد أمَّ الحرمين الشريفين في حجّ المشاعر المقدَّسة هذا العام 1440 للهجرة ما يزيد عن مليونين وأربعمائة ألف مسلم ومسلمة غالبيتهم من خارج المملكة من كافَّة أرجاء العالم. هؤلاء تمَّ اختيارهم بالقرعة كلًّا من حكوماتهم بما يمثِّل واحدًا من المئة من تعداد مواطني كلِّ بلدٍ ليؤدُّوا مناسك الحجِّ والعمرة، بيسرٍ وراحة، ومن ثمَّ زيارة بيت رسولنا الكريم في المدينة المنوَّرة التي شهدت قيام أوَّل تجمُّع إسلامي، ومنها انتشرت رسالة الإسلام إلى قادة العالم تعرِّفهم بدين الله الحقِّ، وتدعوهم للدخول فيه بقناعة وإيمان. وما عتِم أن اعتنق الإسلام غالبيَّة من البشر، لتنهار أنظمة حكم استبداديَّة، في مقدَّمتها إمبراطوريَّتا الفرس والروم ليحلَّ حكم شرع الله بالعدل والإحسان والمساواة بين البشر على تعدُّد عروقهم وألسنتهم امتثالًا لقوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرُ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

من يومها والطرق سالكة إلى بيت الله الحرام في مكّة المكرّمة والمشاعر المقدَّسة في عرفات ومزدلفة ومنى، وما بين المدينتين المقدّستين؛ مكَّة المكرّمة والمدينة المنوَّرة، مزدحمة من بدايات الأشهر الحرم بضيوف الرحمن؛ قاصدي الحجِّ والعمرة والزيارة وبأعداد متزايدة عامًا بعد عام، بدءاً بأعداد كانت تتراوح ما بين سبعين ألفًا إلى مئة وأربعة وعشرين ألفًا في حجَّةِ وداع رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام التي كانت لقاءً وتوصية وداع بينه وبين من سعِد بالحجِّ في معيَّته. لقد كانت، كما هو مرجَّح في السنة العاشرة للهجرة. قبلها في السنة التاسعة للهجرة، أدَّى فريضة الحجِّ الصدّيِق أبو بكر مع سيِّدنا رسول الله عليه أفضل سلام وأتمُّ تسليم.

لربَّما يسأل سائل عن مبرِّر القرعة بين راغبي أداء فريضة الحجَّ كلًّا في بلده! وقد تكون الإجابة نتيجة تفاهم بين المملكة والحكومات المعنيَّة، أهمُّهَا مساحة المشعر الحرام في عرفات التي تتَّسع لعدد محدَّد، وكذلك الوقوف في صعيده الذي يتحقَّق بوجود الحاج في أيِّ جزء منه، سواء أكان راجلًا أو راكبًا أو مضَّطجعًا. أمَّا إذا لم يقف الحاج داخل صعيد عرفات في اليوم المحدَد فقد فسد حجَّه. ويخضع للقرعة راغبو الحجِّ من داخل المملكة وخارجها.

مع تيسر سبل المواصلات السريعة باتِّجاه الأماكن المقدَّسة أصبح بالإمكان الوصول إليها برًا وبحرًا بأيَّام معدودة وجوّا بساعات، بعد أن كانت تتطلَّب من الحجيج قضاء عدَّة شهور بقوافل برِّيَة، وبأسابيع ببواخر تمخر البحار والمحيطات. في تلك الأيَّام كان العدد لا يعدو مئات الألوف. وفي الخمسين سنة الماضية حتَّى الآن ازدادت الأعداد بشكل مضطرد ممَّا حال بين غالبيَّة مقتدرة من راغبي تأدية فريضة الحجِّ.

وعلى سبيل المثال، هذا واقع حال مواطني ماليزيا... ولا شكَّ انَّ الموت غيَّب كثيرين ممَّن رغبوا في تأدية الفريضة، لكن حالت الأعداد الكبيرة القادمة من بلادهم بينهم وبين الوصول إلى رحاب الديار المقدَّسَةِ. ويشاع بأنَّ كلَّ ما ادَّخر هؤلاء لتحمُّل نفقات الحجِّ، تركت تحمل اسم صاحبها، وجمعت من الورثة للمساهمة في بناء أبراج كوالالمبور الشاهقة.

يتساءل بعض الماليزيِّين وسواهم من المسلمين عن موجب تحديد التاسع من ذي الحجَّة يوم عرفات، وهو يتلو الآية الكريمة: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرِ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ والجواب هو أنَّ المدَّة الزمنيَّة تبدأ بشهر شوَّالٍ إلى العشر الأُول من ذي الحجَّة. في هذه الأيَّام يؤدِّي الحاج مناسك حجَّه، ومنها نيَّة الإحرام التي تعقد في ميقات محدَّدٍ. ولكلِّ بلد من التي تحيط بمكَّة المكرِّمَةِ ميقات مكانٍ يُحرم فيه الحاج.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store