Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالله حسين الموجان

الأمير بندر بن عبدالعزيز.. والزهد في الدنيا

A A
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) «آل عمران: 185».

حقاً إن الدنيا تغر فهي متاع الغرور.. وإنما الحرص على الآخرة ففيها رضوان الله كما قال تعالى: (وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور) «الحديد: 20».

لقد تعلمنا من صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن عبدالعزيز الكثير من الزهد في هذه الحياة.. ليس الزهد أن لا تملك شيئاً ولا يمكنك أن تملكه؛ ثم تزهد فيه، بل الزهد أن تكون الدنيا بين يديك فتعزف عنها.

كانت المناصب العليا في إدارة الدولة متاحة للأمير بندر وعرضت عليه عدد من المناصب من عهد والده المؤسس -طيب الله ثراه- ولكنه زهد فيها وما التفت إليها لعلمه بالمسؤولية الكبيرة تجاه أي منصب يتولاه، بل وتبوأ أولاده البررة مناصب عليا في الدولة، فحسب نظام الحكم ولكونه من أبناء الملك المؤسس ومن الأبناء الأكبر سناً فهو الابن الحادي عشر، فهو ممن كان لهم السبق في أن يتولى المناصب العليا في الدولة من أبناء الملك عبدالعزيز، وقد توفي -رحمه الله- عن عمر يناهز السابعة والتسعين، لكنه الذي زهد في المناصب والكراسي وكره العظمة حتى كنا نكاد ننسى أحيانًا أنه الأمير ابن الملك المؤسس بيننا لأنه من طيب معشره يُدني القريب والبعيد من طلبة العلم ومن عامة الشعب على حد سواء، بل عنايته بالفقراء والمحتاجين ولاسيما إبان اعتكافه بالحرمين المكي والمدني خلال شهر رمضان على مدار عقود من السنين حتى عرف بالأمير المعتكف جار المسجد الحرام والمسجد النبوي، فإنه أحب مكة المكرمة ودفن فيها، وأحب أهل مكة المكرمة وأحبوه وأحبه الناس.

ولعمر الله لقد شرفت كثيراً بمرافقته في الداخل والخارج، وكان دوماً يشترط عدم التكلف، ويشاركنا الطعام على الأرض، زهداً وتواضعاً رحمه الله.

إنه الأمير الذي إذا رأيته تراه مهاباً لكن إذا خالطته وجالسته تجده من أطيب الناس معشراً وأكثرهم تواضعاً وأحسنهم خلقاً، إذا تكلم أوجز في الكلام وإذا سمع مجالس العلم أنصت بكل احترام، كان لا يحب لغو الكلام وفضول القول.

وقد عرفت أولاده البررة، وفيهم أثر هذه التربية، وحسن التعامل وعلى رأسهم الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة الرياض -حفظه الله-، وممثل والده في هيئة البيعة؛ وبقية أبنائه من الأمراء، -حفظهم الله جميعاً-.

أضف إلى ذلك مبراته بمكة المكرمة خلال شهر رمضان التي لم يكن يحب الإعلان عنها، وبقيت في ديوان السر، لكن الله بها عليم.

كان -رحمه الله- قلبه معلقاً بالصلاة والأذكار حتى وهو في مرض موته يسأل هل حان وقت الصلاة ثم يطلب إمامه ومن معه فيصلي الفرض مع النوافل.

كان قلبه معلقاً بالله وبشعائره، باذلاً النصيحة للجميع ولا أدل على ذلك مما قاله لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -وفقه الله- حين زاره في مرض موته في المستشفى فما كان منه إلا أن ذكَّره بالله وبالمحافظة على الإسلام والمسلمين، فكان رد خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله-:»نحن دولة ما قامت إلا على الإسلام»..

كل ذلك يدل على إخلاصه -رحمه الله- لهذا البلد وحرصه على الإسلام والمسلمين.

إنْ أذكره الآن وهو قد رحل عنا، فأذكر البركة التي تكون مع كل من جالسه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البركة مع أكابركم) «رواه الحاكم وقال على شرط مسلم وصححه الألباني».

ومهما كتبنا عنه فلن نوفيه حقه، فرحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store