Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالعزيز حسين الصويغ

لابدَّ من خلع الحذاء

A A
يقول أحد الكُتَّاب في وصف شعوره تجاه طبيعة الحياة وتداخلاتها اليوم:

أنا رجلٌ خصاميٌّ، أدعو إلى تأسيس نادٍ لممارسة هواية الخصومة، كمقاهي الإنترنت وبيوت السَّهرة وجمعيات مُربِّي الأغنام، ومنتجي الزيوت، وجامعي الأموال، وعشّاق الليل.‏

أنا رجلٌ أحلمُ باليوم الذي نحتفلُ فيه بتخلُّصنا من آخر مُنافق، كاحتفالنا بتخريج آخر أميٍّ، أو شفاء آخر مريض مُصاب بالحمَّى المالطية، والإيدز وأنفلونزا الخنازير، دون تزوير في الأرقام والوقائع والتقارير.‏

** **

ويقول "محمد الماغوط": "مَنْ أُصافحه في التاسعة، أشتهي قتله في العاشرة". وإذا كان الرجل يتحدّث باسم ملايين البشر، فأنا أحلم باليوم الذي يتخلَّص فيه أبناء الأسرة الواحدة والمؤسسة الواحدة من هذه الصفة الرَّخيصة.

** **

الواقع يقول: إن الإنسان في صراعٍ دائم منذ اللحظة الأولى من حياته. وهو يُشعل حرائق ما في مكانٍ ما، وعلى الجميع أن يتأهَّب لمواجهة النار والدُّخان وما تحت الرَّماد. فالميل إلى الهدوء الوهميِّ يُحوّل حياتنا إلى قطعة أسفنج، تمتصُّ النافعَ والضار والزَّائد والناقص، وتفضيلُ الناس لسُباتِ العقل يحرمنا متعة الجدلِ النافع، ولذّة الخصومة النبيلة، والوله الطازج للبحث عن حقيقةٍ غائبةٍ في أغلب الأحيان.‏

** **

لكن هناك مَن يظل يحلم بأن يكون العالم ذات يوم بوَّابة للسلام، فها هو الشَّاعر "إيليا أبو ماضي" يُمارس هذه الرفاهية، فيحلم بجنَّة تتحقق على الأرض يعيشُ فيها الناس بسلام. لذا نراه يقول:‏

إنّي حلمتُ كأنَّما أنا سائرٌ في روضةٍ خلاَّبةٍ غنَّاءِ‏

العطرُ مفروشٌ على طرقاتِها والجوُّ أنداءٌ على أنداءِ‏

وإذا ورائي في الحديقةِ نابحٌ ضاري المحاجرِ ضامرُ الأحشاءِ‏

أشفقتُ يعلقُ نابَه بردائي فلطمتُه غضباً فطارَ حذائي‏

فمضى به لرفاقه فتهلَّلوا وتقاسموه فكانَ خيرَ عشاءِ‏

لا يعجبن أحدٌ رآني حافياً أبلتْ نعالي ألسنُ السُّفهاءِ‏

#نافذة:

* لم يكن أمام "أبي ماضي" خيار إلاَّ أن يخلع الحذاء لمواجهة الكلب الذي اقتنع وأقنع رفاقه بقيمة الغنيمة.

وأمَّا "منتظر الزَّيدي"، فقد أقدمَ على خلع الحذاءِ بقرارٍ تاريخيٍّ ليصفع الـ(بوش) الذي أخذ يتلوَّى تاركاً للتاريخ ابتسامة صفراء.

وأمَّا موسى -عليه السَّلام-، فقد خلع الحذاءَ مأموراً لأنَّ الأمكنة الطاهرة لا تُختطى إلاَّ بقدمين حافيتين طاهرتين.‏

ولكن.. لابدَّ من خلع الحذاء.‏

"د. رضا رجب"

nafezah@yahoo.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store