Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

لا تقتلوا عدن

A A
حظيت مدينة عدن بموقع جغرافي متميز أوقعها في مصيدة العديد من الغزاة الطامعين في التمركز بها والاستفادة من موقعها. وأصبحت ميناءً هامًا يلجأ إليه التجَّار من مختلف أنحاء الجزيرة العربية وما جاورها. وسكنها خليط من أبناء المنطقة وخارجها، واختلط فيها العربي مع الأعجمي، وتعايشوا بسلام. وكان البريطانيون آخر من تمركز فيها واستخدمها مركزاً لتموين سفنه والسفن الأخرى العابرة لخليج عدن في طريقها من وإلى أوربا. ومنحها ذلك مكانة دولية مرموقة.. إلا أن الظروف الاقتصادية الخانقة، دفعت لندن إلى إعادة النظر في موقعها بمستعمرة عدن والسلطنات والمشيخات المحيطة بها والتي كانت تعتبر (محميات) بريطانية، وقررت التخلي عن وجودها العسكري شرق قناة السويس بالتشاور مع حليفها أمريكا التي كان لها مخطط خاص بها للمنطقة في ظل صراعها، في حرب باردة، مع الاتحاد السوفيتي، وطلب حينها عدد من السياسيين العدنيين أن تتيح لمستعمرة عدن استقلالاً يمكنها من إنشاء سنغفورة جديدة. إلا أن بريطانيا وأمريكا كان لهما مخططهما الخاص للمنطقة بكاملها، والذي لازالت حتى اليوم كامل منطقة الشرق الأوسط تعيش عواقبه.

وما أن بدأ تنفيذ المخطط البريطاني - الأمريكي للمنطقة، وأعلن البريطانيون انسحابهم، حتى تقاتل اليمنيون بما فيهم أبناء السلطنات والمشيخات داخل عدن وعليها. وسالت دماء كثيرة لمذنبين وأبرياء في مذابح كان أبطالها الرئيسيون جبهة التحرير والجبهة القومية، انتصرت فيها الجبهة القومية وتسلَّمت من البريطانيين في محادثات بجنيف في سويسرا مفاتيح عدن والسلطنات والمشيخات، وأقامت دولة الجنوب اليمني. وبعدها تقاتل قادة الجبهة القومية فيما بين بعضهم البعض، وتعددت الحكومات التي أقيمت تحت نفس المظلة، وكان يحلُّ حُكَّام جُدد في عدن بعد أن يقتلوا مَن سبقهم في انتظار آخرين يقتلونهم ليحلوا محلهم. واستمر الوضع كذلك إلى أن اكتشف أحدهم أن الحل لاستقرار عدن يكمن في صنعاء، وأقاموا وحدة مع الرئيس السابق على عبدالله صالح جرى فضّها، ثم أُعيدت بالقوة العسكرية الغاشمة. وكانت عدن أحد الأهداف الرئيسية للتدمير.

واليوم، يُعاد تدمير ما أمكن من عدن باسم الجنوب العربي المحرر من ناحية، واسم الوحدة اليمنية التي لا تتجزأ من ناحيةٍ أخرى، والاثنين المتقاتلين يدعي كل منهما حب عدن بالطريقة التي أتى بها المثل: «ومن الحب ما قتل»... والمشكلة التي تواجهها عدن، بل وباقي اليمن، شماله وجنوبه، أن مَن يحملون السلاح يُصرّون على فرض قراراتهم على أرض الواقع بقوة السلاح، رغماً عن أن الأحداث الماضية أكدت أنه لا استمرارية لأي وضع يجري فرضه بالقوة القاهرة، فكل قوي سيأتي من هو أقوى منه، وهكذا.

الحل للجميع كان ومازال هو الحوار. والطريق إليه واضح. وإذا كان الجميع يُصرّون على القتال في سبيل تأكيد حجتهم، فإن عدن خاسرة، وكذلك الأمر بالنسبة لصنعاء. وإذا كان الحوثيون قد أقاموا أنفسهم أعداء لليمن، وعملاء لإيران، وإذا كان الإخوان المسلمين في اليمن يُريدون إقامة كيان لهم هناك، فإن اليمنيون يريدون الأمن والطعام والكساء، ولن يُوفِّره لهم أي من هؤلاء، ولن يتوفر عبر السلاح، بل لابد من العودة إلى طاولة الحوار بعيوبها، حيث ستؤدي إلى وضع الأسس والقواعد التي يمكن لكل الحالمين بالسلطة والحكم أن يتبادلوا الحديث، لا القتال بالسلاح، حول أفكارهم وخططهم ووضعها في العلن، فإن صدقهم ناس رفعوهم إلى كراسي السلطة التي يمكن أن يفقدوها عبر صناديق الاقتراع، لا بقوة الدبابات والطائرات.

وهناك أكثر من قضية يمكن حلها بالحوار، بل تكاد الكثير منها قد وجدت حلاً عبر مخرجات الحوار السابقة، وما على الوسطاء إلا أن يُعيدوا المتقاتلين إلى مقاعد الحوار، وإدخال بعض الحب الحقيقي لعدن وغيرها من البلاد التي تدمر الآن بحرب لا مصلحة للأوطان بها.. وليتذكر الجميع أن ما حدث بعد انسحاب بريطانيا من شرق السويس لم يستقر بعد، وأن الأيام قد تحمل مفاجآت لن تُسعد أحدًا ما لم تُعالج الأمور من الآن بحكمة وروية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store