Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

العنف ضد النساء

A A
أظهر استطلاعٌ للرأي أجراه المركز الوطني لاستطلاعاتِ الرأي العام في السعودية (يناير 2018)، أن (46%) من المشاركين يرون أن العنف ضد المرأة السعودية مُنتشر بدرجة متوسطة ومُتزايدة، وجاء العنف النفسي أكثر أنواع العنف انتشاراً بنسبة (46.5%)، ثم الإهـمال (27%)، والعُنف الجسدي (12%)، والاستغلال (10%)، وكان «الزوج» هو المسؤول الأول عن هذه الحالات بنسبة (73%) في بيئة المنزل (83%)، مع مُلاحظة أن أكثر سببٍ للعنف ضد المرأة كان «بعض العادات والتقاليد».

وقد أكّدت (66%) من نساء العينة أنّهنّ لا يُبلّغن عن حالات العنف التي يتعرّضن لها، في حين رأتْ نسبة (83%) عدم وجود برامج كافيةٍ لتمكينِ المرأة، وتبيـّن أن (61%) من أفرادِ المجتمع لا يعرفون الجهاتَ المُختصة بتلقّي بلاغات التعنيف ضدّ المرأة.

أرى ضرورة ضبط معاني «العُـنف» ضد المرأة، إذ ما تزال كثيرٌ من مُمارسات الإساءة لها تدخلُ في نطاق العُرف والتقاليد، بل بعضها يدخل ضمن منظومة «حقوق» الرّجل، ومنها مُجامعةُ الرجل لزوجته بغير رضاها، والإساءةُ لفظياً ومعنوياً لها بُغية تأديبها، وحرمانُ وليّ أمرها لها من العملِ والابتعاث والزواج والسّفر والميراث تحت أعذار الحفاظ على الشّرف، مما يفتح المجالَ واسعاً لابتزازها مادياً ومعنوياً، ويرفعُ خطر مُعاناتها من إصاباتٍ جسديةٍ ونفسيةٍ خطيرة، فضلاً عن التسبّب في خسائر اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ كبيرة.

من الرائع أن الدولةَ رعاها الله، خطَتْ خطواتٍ حديثةٍ كبيرة في طريق إحقاق الحُقوق وتسليمها لأصحابها، ونشر ثقافةِ الوعي بالتعنيف الأُسَري وتجريم مُرتكبيها، وتطبيق أنظمةٍ ترعى مصالحَ المرأة، وتعمل على تمكينِها اجتماعياً وقانونياً وحمايتِها من جرائم التحرّش والابتزاز، إلا أن الطريق تبدو طويلةٌ ووعرة نتيجة تغلغل ثقافاتٍ غير سويّة في العقل الجمْعي السُّعودي، ومن الجميل قيامُ المؤسسات التعليمية والتربوية، بتكريسِ الصورة الفاضلة عن المرأة بوصفِها الشريك الأهم في تربيةِ الأسرة، وتفنيد بعض الانطباعات المشوّهة عن علاقةِ الرجل بالمرأة، التي صوّرتها كمشروع انحلالٍ كامن وقنبلة فسادٍ موقوتة، حتى وهي طفلةٌ صغيرة.

إنّ احتكارَ الشرف والفضيلة في الأعراف الشرقية «بعار المرأة» فحسْب، من أكبـر الأوهام التي طغتْ على الثقافةِ العربية خلال عقودٍ مضت، وحمّلت عبء شرفِ المُجتمع كلّه على المرأة فحسْب، واختزَلت الفضيلةَ في جسدِها وملابِسها وسلوكِها، وأعفتْ الرجل من عبءِ كونه شريفاً في نفسِه وأخلاقه وتصرفاته الشخصية، فانتشرتْ بذلك ثقافةُ عار المرأة وقضايا شرفها.. وهنا أقتبس قولاً للكاتب محمّد الرطيان: «الشرفُ يا ولدي ليس في الجسدِ فقط كما يظنُّ بعضُ أهلِ الشرق، الشّرفُ في الكلِمات، والوعْد، والعَمل، والحُب، لا تكنْ شريفاً في أمرٍ ما، وأقلّ شرفاً في أمرٍ آخر!.. كُن شريفاً في كلِّ أمور حياتك».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store