Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

إسرائيل.. عقلية التجسس وعقيدة الولاء المزدوج

رؤية فكرية

A A
أثيرت أخيرًا في دوائر الإعلام الأمريكي قضية تتعلّق بتجسّس مجموعة من الأمريكيين ذوي الجذور اليهودية على صنّاع القرار في البيت الأبيض، وهذه القضية تعرفها الدوائر الإعلامية والفكرية والسياسية في الغرب، فلقد استطاعت الصهيونية، من خلال الجمعيات التي أسّستها في الغرب منذ أمد بعيد، مثل المجموعات اليهودية الاشتراكية في عام 1902م ، وفي العام 1920م أُسست داخل حزب العمّال البريطاني، المعروف بولائه للحركة الصهيونية، جماعة تحمل اسم BAOLEZION ، إضافة إلى جماعات الصداقة اليهودية الغربية، فكل هذه الجماعات وغيرها، تعتمد نشاطًا مزدوجًا، يقوم في ظاهره على مبادئ تتسق مع حركة المجتمعات، وسعيها نحو الرفاه والديمقراطية والعدالة، وما إلى ذلك من هذه المعاني السامية والجاذبة، غير أنها في نشاطها الباطن تمثل أوكارًا للتجسّس لصالح الكيان الصهيوني، بما يمثل اختراقًا لهذه الأحزاب.

ولقد عُرف أيضًا عدد من الشخصيات السياسية الغربية بولائهم ولاء منقطع النظير للحركة الصهيونية؛ مثل تشرشل، وهارولد ولسون، وكذلك رونالد ريجان، وجورج بوش الابن. فجميعهم عُرفوا بانحيازهم للمقولات الصهيونية؛ بل وتبنيها في سياساتهم، بخاصة فيما يتصل بالصراع العربي الإسرائيلي، فقد أظهروا جميعًا خلال حقب حكمهم ميلاً وانحيازًا فاضحًا لدولة إسرائيل على حساب القضية العربية العادلة، متجاوزين في ولائهم الأعمى هذا الإجماع العالمي، ممثلاً في القرارات التي تصدر عن الأمم المتحدة، وغاضين الطرف عن مسلك الدولة الصهيونية في تعديها المستمر وعدم التزامها بأي قرار صدر عن الأمم المتحدة، دون أن تجد رادعًا أو مناهضًا لهذا المسلك المتجاوز.

إن هذا الاختراق الذي مارسته الحركة الصهيونية على المجتمعات الغربية، تعدى محيط السياسة إلى الأدبيات الدينية نفسها، فالدارس المتعمّق في الحركة الصهيونية يجدها أنها استطاعت اختراق المؤسسات الدينية لتجعل من العهد القديم (التوراة) هي الأصل في الديانة الغربية، بينما يبقى العهد الجديد (الإنجيل) كتاب حِكَمٍ ومواعظ، وليس بكتاب تشريعات وأحكام، وبهذا المسلك استطاعت فرض هيمنتها على المستوى الديني، وإخضاع طائفة المسيحيين إلى سلطان حكمها الديني، فتكاملت لها بذلك شروط السيطرة على المستويين؛ الديني والسياسي.

كما أنها استطاعت أن تقفز بالحركة الصهيونية من سمتها العنصرية إلى سمات أخرى حضارية، بينما لا تخفي هذه الحركة تعطّشها لسفك الدماء، فلقد قامت عند تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948م بارتكاب جرائم فظيعة، لا تقلّ عن الفظائع التي ارتكبتها الحركة النّازية، مثل مذابح دير ياسين، وكفر قاسم، وقبية، وصبرا وشاتيلا، وسواها.

إلا أن المؤسسات الغربية تسعى للتغطية على هذا المنحى العنصري والدموي في أدبيات هذه الحركة، كما أنها -أي الحركة الصهيونية- قد أفلحت في نشر وتثبيت ما عُرف بمصطلح «عقيدة الولاء المزدوج»، على أن يكون الولاء بداية للحركة الصهيونية، وليس بعيدًا عنّا ما قام به الجاسوس جونثان بولارد حيث قام بتسريب تقنيات أمريكية عالية، تختص بها الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها، إلى إسرائيل، وظل بولارد عقبة بين المؤسسة السياسية الأمريكية والحركة الصهيونية، إلى أن أفرج عنه واحتضنته من ثم إسرائيل كبطل قومي.

صفوة القول؛ إن مسلك التجسّس لدى الحركة الصهيونية أمر طبيعي، ظلت تمارسه منذ إنشاء هذا الكيان الغاصب، وكان لهذا المسلك أثره الكارثي على كافة الدول الغربية وغيرها، ولهذا فإن الأمر يبدو غريبًا أن يعمد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب إلى التقليل من مخاطر التجسس والاختراق الذي استهدف البيت الأبيض مؤخرًا، ولا يمكن النظر إلى رؤية ترامب هذه إلَّا من زاوية «عقيدة الولاء المزدوج» التي أشرنا إليها آنفًا، بما يجعل البيت الأبيض بهذا التوجه في الحقبة الحالية من الرئاسة الأمريكية إحدى دوائر الحركة الصهيونية بصورة أو أخرى.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store