Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

تلفريك الباحة المنتظر

A A
مَن يقف اليوم على متنزه القِمْع في محافظة بلجرشي بمنطقة الباحة سوف يأسف لحال (تلفريك القمع)؛ فهو لن يشاهد إلا هيكلاً ضخمًا جاثمًا على حافةٍ صخريةٍ شديدةِ الانحدار، قد طاله البِلى، وأصبح مأوىً للطيور والدواب والهوام، تَصْفُر فيه الريح مع الغدو والرواح. تلفريك القمع أُنشئ قبل ما يقرب من عَقدَين، وتم اختيار متنزه القمع ليكون مقرًّا له؛ نظرًا لكثافة الغطاء النباتي في المتنزه -مع أن الحال اليوم تبدلت؛ حيث يبست بعض أشجار المتنزه ومات بعضها- ونظرًا للإطلالة الجميلة للمتنزه على وادي «الخيطان» الذي هو (موطن قبيلتَي بكر وتغلب العربيتَين، وفيه دارت حرب البسوس التاريخية، وفيه يوجد قبر يقال له قبر كليب، ووادٍ يقال له وادي البسوس)، وذلك بحسب الدكتور جمعان عبدالكريم في حديثه لهذه الصحيفة (٢٠١٠/١٢/٢٢م)، ويمكن أن يضاف لما سبق مجاورة المتنزه لجبل (أُثْرُب) العملاق الذي يُطاول أعنان السماء، وبما يبعثه منظره المهيب في النفوس. لكن الحال اليوم تبدلت، وما أودى بتلفريك القمع إلى هذه الحال المؤسفة (حال التوقف والإهمال) لا يخرج عن سبب رئيس وهو قلة مستخدمِيه خلال فترة تشغيله، وبالتالي انخفاض العوائد وما ترتب عليها من خسائر لحقت بالشركة المشغلة. لكن السؤال هنا يأتي عن السبب وراء قلة مستخدمِي التلفريك، ولا أظن الجميع إلا يتفقون على أن من أَوجه الأسباب ضعفَ البنية التحتية للمحطة السفلية في وادي الخيطان بـ(تهامة) وانعدام خدماتها؛ فأنت حين تصل إليها لا تجد إلا أشجارًا شوكية، وحجارة ألهبتها شمس تهامة، وقطعانًا من الماشية تنافس الزوار على المحطة السفلية. هناك لا يمكن أن تجد جلسات، أو بوفيهات، أو أكشاكًا، وليس هناك أي أثر للمسة جمالية صناعية، إضافة لخلو المنطقة المجاورة للمحطة من السكان والعمران ومقومات الحياة؛ ولذا يبادر الزائر بالعودة صعودًا مع أول عربة مغادرة إلى المحطة العلوية، ولهذه المعطيات وغيرها كان توقف التلفريك أمرًا طبيعيًّا. من هنا يتوجب في حق الجهات المعنية بالسياحة في منطقة الباحة أن تبحث عن المكان الملائم الذي يصلح لتركيب تلفريك آخر يكون بديلاً لتلفريك القمع المتوقف، ولا أظنه يغيب عن ذهن الجهات المعنية في منطقة الباحة أن غابة رغدان -المجاورة لمدينة الباحة- ذات الغطاء النباتي الكثيف الممتد، والإطلالة الجميلة على عقبة الباحة (عقبة الملك فهد)، ومنحدرات جبال السروات الحادة، والتي تشهد هي ومتنزه الأمير حسام -المجاور لها- كثافة عالية للمتنزهِين والزوار، ربما تغدو هي المكان المناسب لتكون منطلَقًا للتلفريك الجديد، كما لا أظنه يغيب عنها أن قرية (ذي عين) التراثية في محافظة المخواة بتهامة الباحة ستكون المحطة المثالية لوصول التلفريك؛ نظرًا لما تتمتع به من مقومات سياحية ممثلة في تاريخها العريق، ومبانيها الأثرية الشامخة، وعينها الجارية، وبساتينها الوارفة، وجلساتها الفسيحة، وبنيتها التحتية الجيدة، والكثافة البشرية حولها، وقريبًا ربما تكون ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. أضف إلى ذلك فالمسافة التي سيقطعها التلفريك من محطة الانطلاق إلى محطة الوصول والعكس ستكون فوق عقبة الباحة، ما يضفي على الرحلة مزيدًا من المتعة والبهجة. أمر آخر وهو أن بعض النازلِين من السراة إلى تهامة أو الصاعدِين من تهامة إلى السراة سيكون التلفريك بديلاً جيدًا لهم عن السيارات، يختصر عليهم الوقت والجهد. كما لا يغيب عن تلك الجهات أن كثافة الاتصال بين السراة وتهامة تتركز عبر طريق عقبة الباحة التي تقع عليها غابة رغدان وقرية ذي عين، وهي الطريق المقترحة لنصب التلفريك عليها، والتي تشهد حركة كثيفة ومستمرة لمستخدمِي الطريق بوصفها الشريان الآمَن والأكبر والأجمل للربط بين تهامة بأوديتها وسهولها وبحرها، والسراة بهضابها وباديتها، كل ذلك وغيره يعطي مؤشرات إيجابية على نجاح تلفريك (رغدان -ذي عين) حال تركيبه وتشغيله، وبالتالي سيشكل رافدًا مهما للسياحة في منطقة الباحة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store